232ففيه من معرفة أحوال الناس والاتصال بهم والتعرّف على شؤون الوفود التي تمثّل أصقاع العالم كلّه ما يزيد الإنسان بصيرة وعلماً إذا التقىٰ بعلمائهم واتصل بنبهائهم فيجد لكل علم وفن طائفة تمثِّله.
وأما المنافع الاجتماعية والسياسية: فإنّ الحج مؤتمر عظيم يضمّ وفوداً متنوّعة العلوم، مختلفة الثقافات، متباينة الاتجاهات والنزعات، فإذا اجتمع كلّ حزب بحزبه وكلّ طائفة بشبيهتها ومثلوا «لجان الحكومة الواحدة» ودرسوا وضعهم الغابر والحاضر والمستقبل، ورأوا ما الذي أخّرهم وما الذي يقدِّمهم وما هي أسباب الفرقة بينهم وما أسباب الائتلاف والاجتماع وتوحيد الكلمة، وبحثوا شؤونهم الدينية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية على أساس المحبّة والوئام وبروح الوحدة والالتيام، أصبحوا يداً واحدة ضد عدوّهم، وقوّة مرهوبة في وجه المعتدي عليهم على ضوء قوله تعالى: وَ أَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَ مِنْ رِبٰاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللّٰهِ وَ عَدُوَّكُمْ 1، وبهذا يصير لهم كيان مستقلّ خاص، له مميّزاته وأهدافه ومقاصده، يسمع صوته ويصغى إلى كلمته ويحسب له ألف حساب، وبهذا يعود للمسلمين عزّهم ويرجع إليهم سؤددهم ويبنون دولة إسلامية دستورها كتاب اللّٰه وسنّة رسوله، شعارها العدل والمساواة، وهدفها الصالح العام وغايتها الأمن والسلام، حينئذ تتجه إليهم أنظار الدنيا وتسلم الزمام إليهم فيمسكونه بأيديهم، ويقوّضون مجالس بنيت على الظلم والبغي، ويبنون على أنقاضها العدل والإحسان، وبهذا يقرّ السلام ويستتب الأمن وتتجه المصانع التي تصنع للموت الذريع أسلحة الدمار والخراب، إلى أن تخترع المعدّات التي تساعد على التثمير والتصنيع وإخراج خيرات الأرض، فتحقق حكمة اللّٰه بخلقه، ويحلّ الخصب والرخاء والأمن والسلام مكان الجدب والغلاء والخوف والدماء، كما قال