202إنّ حركة هاجر هنا مزيج من الإيمان والثقة باللّٰه، والاتكال على النفس، والمجاهدة بحثاً عن الماء.
في هذه القصّة دلالات متعدّدة، نفسيّة وعاطفيّة وعقلية، تلحظ في أوج تفتّحها واشتغالها علىٰ يد امرأة في أرض نائية مجدبة.
كذلك في قصّة نيّة ومبادرة إبراهيم لذبح ابنه إسماعيل، ثمّ افتدائه، «إذ لم يكن المقصود ذبح إسماعيل، إنما كان المقصود ذبح الحبّ الذي ينازع الحبّ الإلهي ويقاسمه، وقد ذبح (هذا الحبّ) بوضع السكين على الحلقوم، إنّما ولد إسماعيل ليعيش ويزدهر وينسل، ويولد في ذريته آخر الأنبياء» 1.
إنّ مختلف القصص التي وردت في القرآن تعكس خط التواصل الذي أرساه الإسلام فيما بين الدعوة المحمّدية وخط التوحيد والخروج على الوثنيّة والتسلط وعبادة الأوثان، سواء اتخذت شكل جماد أو شكل بشر.
إنّ خط التوحيد في نظرته للتاريخ - كما تعبّر قصّة إبراهيم وغيرها - يرسي منهجاً واضحاً قائماً علىٰ عدم وجود انقطاع كلّي فيما بين مختلف الحقب التاريخيّة التي مرّت بها البشريّة. فلا ينظر الإسلام إلىٰ نفسه علىٰ أنّه انقطاع كلّي ونوعي عمّا سبقه من تجارب ووقائع تاريخيّة، بل يعتبر نفسه تكملة وتتويجاً لخطّ الصدام والصراع مع مختلف المؤسسات والقوىٰ والأعراف والعادات، التي حاولت أن تضرب خطّ التوحيد لترمي خطّ الإشراك والوثنيّة، الذي يعبّر عن نفسه بأشكال عدّة، تلتقي حول جعل وثن، أو فرد، أو جماعة محدّدة، مركز الكون ومصدر سلطته.
إنّ الرؤية الإسلاميّة لحركة التاريخ علىٰ ضوء ما تقدّم ترفض عمليّة تحقيب التاريخ إلىٰ مراحل متميّزة نوعياً انطلاقاً من مقياس تجزيئي ما، يؤدّي إلىٰ جعل كلّ مرحلة لاحقة نفياً للمرحلة التي سبقتها، كما يؤدّي إلىٰ رسم خطّ تطوري لحركة التاريخ علىٰ قاعدة المميزات التي استجدت علىٰ واقع التجربة الصناعيّة في المجتمع