60ذهني. فالحاج يعتريه شعور جديد منذ اللحظة التي يتحرّك فيها من داره بقصد زيارة بيت اللّٰه. وعندما يكون في الطريق ينهمك بقراءة أذكار معيّنة.
وعندما يركب الطائرة ويلبّي يعلن التزامه بعهده مع اللّٰه طوال الطريق وعلىٰ جميع الأحوال، ويقطع عهداً على نفسه بأن يكون عبداً مخلصاً للّٰه.
وتبقىٰ هذه الحالة مهيمنة على الإنسان منذ البداية وإلىٰ حين انتهاء مناسك الحج، وتقترن بحالات من الشدّة والضعف.
وأنا شخصياً شعرتُ منذ لحظة ارتدائي لثياب الإحرام بأنني دخلت عالماً جديداً مختلفاً عمّا سَبَقه. فخلع الثياب السابقة، والاكتفاء - بعد الاغتسال - بستر البدن بثوبي الإحرام يخلق لدينا شعوراً بالانقطاع عن جميع الوشائج غير الإلهية، وأننا قد فوّضنا أنفسنا إلى اللّٰه وأننا عبيد حقيقيون له. ومن المحتمل أنّ هذا الشعور وهذا الشغف يحصل للآخرين أيضاً.
في المرّة الاُولى التي سرتُ فيها نحو الحرم الطاهر لم أكن واثقاً هل خطواتي ستساعدني على المسير ريثما أصل إليه أم لا؟ تصوّر اللحظات التي أدخل فيها بيت اللّٰه ويقع فيها بصري علىٰ ذلك البناء! تُعَدُّ حالات عرفانية وثمينة جدّاً، ولكنّها في الوقت ذاته لا دوام لها، ومن الممكن أن تتكرّر غير أنّها لا تحمل سمتها الروحية الأولىٰ. شعرت في اللحظة التي دخلتُ فيها من الباب الأخير، ووقع بصري علىٰ ذلك البناء الحجري بأنني لا أودّ أن أغمض عيني أو أُحوّل عنه بصري إلى مشهد آخر. وكنت لا أرىٰ قدمي إلّا بصعوبة بالغة.
عندمايطوف الحاج حول بيتاللّٰهأوّلمرّة، يرى الحجر الأسود، ويشاهد مقام إبراهيم، وهذه المشاهد تسمو كلّها في تلك اللحظة بروح الإنسان.
وهكذا الحال أيضاً في المرّة الأولى التي يرىٰ فيها الحاج الصفا والمروة