208كما أشار إلىٰ ذلك القرآن الكريم وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلىٰ كلّ ضامر يأتين من كلّ فج عميق ، ولذا كان أول عمل يؤديه الحاج هو التلبية التي ينعقد بها إحرامه.
وبهذا يمكن أن نفهم الحج بأنه ركن من أركان تكامل الإنسان في مسيرته إلى اللّٰه تعالىٰ وقصده إليه، ويتحقق ذلك كما ذكر أهل البيت عليهم السلام من خلال «استخراج الأموال وتعب الأبدان وحظرها عن الشهوات والملذات» . وفي التذلل للّٰهتعالىٰ والتواضع لعباده وإذلال الجبابرة والطغاة، ومعرفة الإنسان لحاله وهويته عندما يخرج من كلّ مظاهر الدنيا وزينتها ويقف إلىٰ صف سائر بني البشر علىٰ صعيد واحد.
الثانية: الطريق إلى الغفران والخروج من كلّ ما اقترف من الذنوب، والتوبة إلى اللّٰه تعالىٰ والإنابة، حيث يرجع بعد الحج وقد غفرت له ذنوبه فأصبح كيوم ولدته أمّه، فيكون أمامه استئناف العمل الجديد والبدء بصفحة جديدة من حياته يستفيد فيها من التجارب السابقة ومن الرؤية الواضحة ومن الإرادة والعزم الجديد.
فقد قال الإمام زين العابدين عليه السلام:
«حقّ الحج أن تعلم أنه وفادة إلىٰ ربّك، وفرار إليه من ذنوبك، وبه قبول توبتك وقضاء الفرض الذي أوجبه اللّٰه عليك» .
وقال الإمام الرضا عليه السلام: «علة الحجّ الوفادة إلى اللّٰه تعالىٰ وطلب الزيادة، والخروج من كلّ ما اقترف، وليكون تائباً مما مضىٰ مستأنفاً لما يستقبل» .
الثالثة: اختبار الإنسان في طاعته للّٰه تعالىٰ ووفائه بعهده وميثاقه، وقد وصف ذلك الإمام علي عليه السلام هذا الجانب في خطبة له، حيث قال عليه السلام - علىٰ ما ورد -: «ألا ترون أن اللّٰه سبحانه اختبر الأولين من لدن آدم صلوات اللّٰه عليه إلى الآخرين من هذا العالم بأحجار لا تضر ولا تنفع ولا تبصر ولا تسمع، فجعلها بيته الحرام الذي جعله للناس قياماً، ثم وضعه بأوعر بقاع الأرض. . . - إلىٰ آخر الوصف للبيت والظروف القاسية المحيطة به، وكذلك الحال الذي يكون عليه الحاج من التذلل ونزع الثياب والزينة. . . - ابتلاءً