217الجزيرة العربية، وأن يزيحوا العوائق التي قد تستفيد منها قريش مستقبلاً. . أراد رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله لجعفر وللمهاجرين أن يكونوا دعاة رسالة ورجال حضارة وبناة تأريخ ومستقبل زاهر بالإسلام ومبادئه. وأن يستوعبوا الزمن كلّه والمكان كلّه والناس كلّهم، وهذا ما حدث فعند عودة جعفر إلى المدينة كان معهم سبعون رجلاً منهم اثنان وستون من بلاد الحبشة وثمانية من أهل الشام فيهم بحيراء الراهب، فقرأ عليهم رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله سورة يس إلىٰ آخرها فبكوا حين سمعوا القرآن وآمنوا وقالوا: ما أشبه هذا بما كان ينزل علىٰ عيسىٰ، فأنزل اللّٰه فيهم . . وإذا سمعوا ما أنزل اللّٰه إلى الرسول ترىٰ أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحقّ يقولون ربّنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين. . 1.
أمّا لماذا الحبشة؟ !
لابدّ لمن يريد أن ينجو من الاضطهاد والعذاب أن يختار مكاناً آمناً يلوذ به وإلّا فسيكون كالمستجير من الرمضاء بالنار. لهذا فقد تمّ اختيار هذه البلاد وكما صرح بذلك رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله حينما أمر المسلمين بالهجرة: لو خرجتم إلىٰ أرض الحبشة، فإن بها مَلكاً لا يُظلم عنده أحد، وهي أرض صدق، حتىٰ يجعل اللّٰه لكم فرجاً ممّا أنتم فيه 2.
إذن فهي بلاد صدق وفيها حاكم عادل فتجد الدعوة ويجد المهاجرون ساحة بلا موانع يستطيعون التحرّك عليها بحريّة وأمان. كما أنها أرض كانت متجراً لقريش، يقول الطبري: . . وكانت أرض الحبشة متجراً لقريش يتجرون فيها، يجدون فيها رفاغاً من الرزق، وأمناً ومتجراً حسناً 3.
وكانت - أيضاً بلاداً مفتوحةً علىٰ كثير من البلدان، فهي بالتالي تشكّل ساحة مناسبة لنشر الدعوة الجديدة وبثّها في تلك البلاد وفي غيرها، كما تشكّل ساحة ضغط علىٰ قريش وتجارتها. .