187يقول سعيد حوى في تفسيره:
وقال كثيرون من أئمة التفسير: إن المثابة: المجمع، وعلىٰ هذا القول يكون المعنى: أن اللّٰه عزّوجلّ أراد أن يكون هذا البيت ملتقىً للشعوب كلّها، وللأجناس كلّها، يجتمعون فيه فيتعارفون وينتفعون، قائمين بأمر اللّٰه، عابدين له، موّحدين معظمين شعائره 1.
وأما بخصوص طلب الرزق فيجيب الرازي عن السؤال الثاني الذي يذكره في تفسيره وهو: المطلوب من اللّٰه تعالىٰ هو أن يجعل البلد آمناً كثير الخصب، وهذا ما يتعلق بمنافع الدنيا، فكيف يليق بالرسول المعظم طلبها؟
والجواب عنه من وجوه: أحدها: أن الدنيا إذا طلبت ليتقوىٰ بها على الدين، كان ذلك من أعظم أركان الدين، فإذا كان البلد آمناً وحصل فيه الخصب: تفرغ أهله لطاعة اللّٰه تعالىٰ، وإذا كان البلد علىٰ ضد ذلك كانوا علىٰ ضد ذلك.
وثانيها: أنه تعالىٰ جعله مثابة للناس، والناس إنّما يمكنهم الذهاب إليه إذا كانت الطرق آمنة والأقوات هناك رخيصة. وثالثها: لا يبعد أن يكون الأمن والخصب ممّا يدعو الإنسان إلى الذهاب إلى تلك البلدة، فحينئذ يشاهد المشاعر المعظمة، والمواقف المكرمة، فيكون الأمن والخصب سببَ اتصاله في تلك الطاعة 2.
وقد رأيت أن ابن العربي في أحكام القرآن 3يذهب إلىٰ أن المراد بالأمن هو أن من دخل الحرم كان آمناً من التشفي والانتقام، كما كانت العرب تفعله فيمن أناب إليه من تركها لحق يكون لها عليه، وهذا هو القول الثاني من الأقوال الأربعة التي يذكرها ابن العربي في أحكام القرآن حول المراد من الأمن. حيث يقول بعد سرده لتلك الأقوال: والصحيح فيه القول الثاني، ثمّ واصل حديثه بقوله: وهذا إخبار من اللّٰه تعالىٰ عن منته علىٰ عباده، حيث قرّر في قلوب العرب تعظيم هذا البيت، وتأمينَ من لجأ إليه؛ إجابة لدعوة إبراهيم عليه السلام حين أنزل به أهله وولده، فتوقع عليهم الاستطالة، فدعا أن يكون أمناً لهم فاستجيب دعاؤه.