186ثمّ واصل حديثه بقوله: يذكّر اللّٰه تعالى العرب بهذه النعمة أو النعم العظيمة وهي جعل البيت الحرام مرجعاً للناس يقصدونه ثمّ يثوبون إليه، ومأمناً لهم في تلك البلاد بلاد المخاوف التي يتخطف الناس فيها من كل جانب. . . وكونه - أي البيت - مثابة للناس أمر معروف في الجاهلية والإسلام، وهو يصدق برجوع بعض زائريه إليه، وحنين غيرهم وتمنيهم له عند عجزهم عنه، وكذلك جعله أمناً معروف عندهم، فقد كان الرجل يرىٰ قاتل أبيه في الحرم فلا يزعجه علىٰ ما هو معروف عندهم من حبّ الانتقام والتفاخر بأخذ الثأر 1.
ثمّ راح يذكر سؤالاً قد سأل به الشيخ محمد عبده والجواب عنه فيقول:
(الاستاذ الإمام) قد يقال: ما وجه المنة على العرب عامة بكون البيت أمناً للناس والفائدة فيه إنّما هي للجناة والضعفاء، الذين لا يقدرون على المدافعة عن أنفسهم؟ والجواب عن هذا: أنّهُ ما من قوي إلا ويوشك أن يضطر في يوم من الأيام الىٰ مفزع يلجأ إليه لدفع عدو أقوىٰ منه، أو لهدنة يصطلح في غضونها مع خصم يرىٰ سلمه خيراً من حربه، وولاءه أولىٰ من عدائه، فبلاد كلها أخطار ومخاوف لا راحة فيها لأحد، وقد بين اللّٰه المنة على العرب إذ جعل لهم مكاناً آمناً بقوله في سورة العنكبوت (29: 67) أو لم يروا أنا جعلنا حرماً آمناً ويتخطف الناس من حولهم أفبالباطل يؤمنون وبنعمة اللّٰه يكفرون 2.
أقول: فالمكان الذي اختار اللّٰه تعالىٰ لعباده ليكون لهم مثابة أي ملجأً يلجأون إليه، ومأوىٰ يأوون إليه ويلوذون به، ومرجعاً يثوبون إليه زواراً و غيرهم لليشهدوا منافع لهم. . 3، لابد من أن يتوفر فيه عنصرا الحياة والاستقرار:
الأمن والرزق . . ربّ اجعل هذا بلداً آمناً وارزق أهله من الثمرات. . .
وإلّا كيف يقصد الناس شيئاً، أو مكاناً يخيفهم ويكون سبباً في هلاكهم؟ وكيف يثوبون إلىٰ هكذا مكان فقد فيه الأمن والرزق؟
وأين تلك المنافع التي يرجونها والمخاوف تحيطهم. . ؟ !