158الذنب، وفي الدروس الشرعية قيّد الشهيد الأول الكراهة بما إذا لم يأمن نفسه من الوقوع في المحذورات فإذا أمن ذلك استحبت له الإقامة في مكة، وفي رياض المسائل أنّ الأخذ بما هو المشهور - وهو الكراهة مطلقاً - أولىٰ 1، ومال إليه صاحب الجواهر 2.
ومنشأ الاختلاف في المسألة، النصوص المختلفة، فقد وردت في الوسائل إحدىٰ عشرة رواية تؤيد رأي المشهور: منها روايات صحيحة معتبرة كرواية الحلبي عن الصادق عليه السلام قال: «سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن قول اللّٰه عزّوجلّ ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم 3فقال: كل الظلم فيه إلحاد، حتىٰ لو ضربت خادمك ظلماً خشيت أن يكون إلحاداً» فلذلك كان الفقهاء يكرهون سكنىٰ مكّة» 4، ورويت تحليلات أخرىٰ كالتحليل بأنّ المجاورة فيها تُقسي القلب 5، وأن من سارع إلى الخروج منها دام شوقه إليها 6.
وإلىٰ جانب ذلك وردت أخبار أخرىٰ تقيد الإقامة في مكة بمدة أقل من سنة كما عن الباقر عليه السلام: «لا ينبغي للرجل أن يقيم بمكّة سنة، قلت: كيف يصنع؟ قال:
يتحوّل عنها. .» 7، وأخبار أخرىٰ تدل علىٰ استحباب الإقامة مطلقاً كالخبر المروي عن علي بن مهزيار «قال: سألت أبا الحسن عليه السلام المقام بمكّة أفضل أو الخروج إلىٰ بعض الأمصار؟ فكتب: المقام عند بيت اللّٰه أفضل» 8.
وقد ظهر إزاء ذلك اتجاهان فقهيّان، اتّجاه يحاول الجمع بين الأخبار بهذا الوجه، وذلك كما في المدارك حيث كتب يقول: «والذي يقتضيه الجمع بين هذه الروايات كراهة المجاورة سنة تامّة حيث لا يخرج فيها إلىٰ غيرها، وكذا ما دونها مع الخوف من ملابسة الذنب، واستحبابها علىٰ غير هذين الوجهين، وربما جمع بينهما بحمل أخبار الترغيب على المجاورة للعبادة، وحمل ما تضمن النهي عن المجاورة لغيرها كالتجارة ونحوها، وهو غير واضح» 9.
واحتمل في الجواهر «كون مراد القائل استحباب الجوار من حيث كونه