34فلا طريق إلى استنزال رحمة اللّٰه واستدرارها أعظم من اجتماع الهمم وتعاون القلوب في وقت واحد علىٰ صعيد واحد.
وأمّا رمي الجمار:
فليقصد به الانقياد لأمر اللّٰه، وإظهار الرقّ والعبودية.
ثمّ ليقصد به التشبّه بإبراهيم عليه السلام، حيث عرض له إبليس في ذلك الموضع، ليدخل علىٰ حجّه شبهة، أو يفتنه بمعصية، فأمره اللّٰه تعالىٰ أن يرميه بالحجارة، طرداً له وقطعاً لأمله 1.
فإن خطر له أنّ الشيطان عرض لإبراهيم عليه السلام ولم يعرض له، فليعلم أن هذا الخاطر من الشيطان، وهو الذي ألقاه علىٰ قلبه، ليخيّل إليه أنه لا فائدة في الرمي، وأنه يشبه اللعب. وليطرده عن نفسه بالجدّ والتشمير في الرمي فيه، يرغم فيه أنف الشيطان، فإنه وإن كان في الظاهر رمياً للعقبة بالحصىٰ، فهو في الحقيقة رمي لوجه إبليس وقصم لظهره، إذ لا يحصل إرغام أنفه إلّابامتثال أمر اللّٰه، تعظيماً لمجرّد الأمر.
وأمّا ذبح الهدي:
فليعلم أنّه تقرّب إلى اللّٰه تعالىٰ بحكم الامتثال، فليكمل الهدي وأجزاءه، وليرج أن يعتق اللّٰه بكلّ جزءٍ منه جزءاً من النار، هكذا ورد الوعد، فكلّما كان الهدي أكثر وأوفر كان الفداء به من النار أتمّ وأعمّ، وهو يشبه التقرب إلى الملك بالذبح له وإتمام الضيافة والقرىٰ، والغاية منه تذكّر المعبود الأول سبحانه عند النية في الذبح، واعتقاد أنه متقرب به بأجزائه إلى اللّٰه.
فهذه هي الإشارة إلىٰ أسرار الحج وأعماله الباطنة.