33وخرج وهو لا يدري ما الّذي يقضي الملك في حقّه من قبول أو ردّ، فيكون تردّده رجاء أن يرحمه في الثانية إن لم يكن رحمه في الأولىٰ.
وليتذكّر عند تردّده بين الصفا والمروة تردّده بين كفتي الميزان في عرصة القيامة، وليمثل الصفا بكفّة الحسنات والمروة بكفّة السيّئات، وليتذكّر تردّده بين الكفتين، ملاحظاً للرجحان والنقصان، متردّداً بين العذاب والغفران.
وأمّا الوقوف بعرفة:
فليتذكر بما يرىٰ من ازدحام الناس، وارتفاع الأصوات، واختلاف اللغات، واتباع الفرق أئمّتهم في التردّدات على المشاعر - اقتفاءً لهم وسيراً بسيرتهم - عرصات القيامة، واجتماع الأمم مع الأنبياء والأئمة، واقتفاء كلّ أمّة أثر نبيّها، وطمعهم في شفاعتهم، وتجرّدهم في ذلك الصعيد الواحد بين الردّ والقبول.
وإذا تذكّر ذلك فيلزم قلبه الضراعة والابتهال إلى اللّٰه أن يحشره في زمرة الفائزين المرحومين، ولكن رجاؤه أغلب، فإنّ الموقف شريف، والرحمة إنّما تصل من حضرة الجلال إلىٰ كافّة الخلائق بواسطة النفوس الكاملة من أوتاد الأرض، ولا يخلو الموقف عن طائفة من الأبدال والأوتاد وطوائف من الصالحين وأرباب القلوب.
فإن اجتمعت هممهم، وتجردت للضراعة نفوسهم، وارتفعت إلى اللّٰه أيديهم، وامتدّت إليه أعناقهم، يرمقون بأبصارهم جهة الرحمة، طالبين لها، فلا تظنّن أنه يخيب سعيهم من رحمةٍ تغمرهم.
ويلوح لك من اجتماعهم الأمم بعرفات، والاستظهار بمجاورة الأبدال والأوتاد المجتمعين من أقطار البلاد، وهو السرّ الأعظم من الحج ومقاصده،