216الإسلام فلا يبقى إلّاخطرهم السياسي، فإذا ما التزموا بشروط الذمة زال ذلك الخطر، وأصبح وجودهم في ظلّ الدولة الإسلامية طبيعياً.
وتمشياً مع نزعته الإنسانيّة سعى الإسلام إلى توسيع دائرة أهل الكتاب لتشتمل علىٰ من لهم شبهة كتاب كالمجوس، ولا تقتصر علىٰ من يُقطع بانتسابهم إلى كتاب سماوي كاليهود والنصارى، فلم يشترط أن يكون الانتساب للسماء قطعياً.
أمّا القسم الثالث فقد رفض الإسلام الاعتراف به، وجعل التعامل معه قائماً علىٰ أساس القتال، ما لم يترك الشرك الذي يمثل أعلىٰ درجات الفوضوية والعبثيّة في الحياة، ويشكّل خطراً علىٰ قاعدة الإسلام الحضارية المتمثلة بالتوحيد، وسيادته السياسية على الأرض المتمثلة بحاكمية القانون الإلهي.
ولما كان التوحيد قاعدة السلم في الحياة الإنسانية، فإنّ الشرك بما يمثله من اتجاه فوضوي عابث يرفض الاتساق مع الفطرة والطبع، ويصرّ على الانحراف، ويشكل خطراً جدّياً علىٰ قضية السلم والأمن؛ لذا فإنّ محاربته ضرورة من ضرورات الأمن، كما كانت سيادة التوحيد في الأرض تعني سيادة قوى السلم فيها 1.
هذا فيما يخصّ موقف الإسلام من المشركين وأهل الكتاب عامة. أمّا ما يخصّ نصارى العرب وكتابيي الجزيرة، فإنّ الإسلام وقف منهم موقفاً خاصاً، فلم يقبل من نصارى العرب الجزية، وعاملهم معاملة المشركين بالتخيير بين الإسلام والقتال، وأمر بترحيل الكتابيين غير العرب عن الجزيرة؛ لأنه يعدّ الجزيرةَ مهد الإسلام وعاصمة التوحيد، فلابد من تنقيتها من شوائب الشرك، وإخلائها لأهل التوحيد الخالص.
فإذا كان الإسلام قد أقرّ بحقّ الكتابيين بالوجود المجرّد عن السيادة، فإنّه لم