91أن يرجعوا، وتخوّفوا أن يدخلوا مكة بغير جوار من بعض أهل مكة، فمثكوا مكانهم حتّى دخل كلّ رجل منهم بجوارٍ من بعض أهل مكة، ودخل عثمان بن مظعون مكة بجوار الوليد بن المغيرة.
ولمّا رأى عثمان ما يلقى رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله و سلم وأصحابه من الأذىٰ والبلاء، وهو يغدو ويروح بأمان الوليد بن المغيرة، قال: واللّٰه، إنّ غدوّي ورواحي آمناً بجوار رجلٍ من أهل الشرك، وأصحابي وأهل ديني يلقون من الأذىٰ والبلاء في اللّٰه ما لا يصيبني، لنقصٌ كبير في نفسي.
فمضىٰ إلى الوليد بن المغيرة، فقال له: يا أبا عبد شمس، وفَت ذمّتك، وقد كنتُ في جوارك، وقد أحببت أن أخرج منه الى رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله و سلم، فلي به وأصحابه أسوة.
فقال الوليد: فلعلك يا بن أخي أوذيتَ أو انتهكتَ؟
قال عثمان: لا، ولكن أرضىٰ بجوار اللّٰه ولا أريد أن استجير بغيره.
قال: فانطلق إلى المسجد فاردد عليّ جواري علانية كما أجرتُك علانية.
فانطلقا، حتّى أتيا المسجد.
فقال لهم الوليد: هذا عثمان قد جاء يرد عليّ جواري، فقال عثمان:
قد صدق، قد وجدته وفياً كريم الجوار، ولكني أحببت أن لا أستجير بغير اللّٰه، فقد رددت عليه جواره 1.
ومرّ عثمان بن مظعون بمجلسٍ من قريش، ولبيد بن ربيعة بن مالك بن كلاب القيسي ينشدهم: «ألا كلّ شيءٍ ما خلا اللّٰه باطل» .
فقال عثمان: صدقت.
فقال لبيد: «وكلُّ نعيم لا محالة زائلُ» .
فقال عثمان: كذبت، نعيم الجنة لا يزول أبداً.
فقال لبيد: يا معشر قريش، واللّٰه ما كان يؤذىٰ جليسكم، فمتىٰ حدث هذا فيكم؟
فقال رجل: إنّ هذا سفيه من سفهائنا قد فارق ديننا، فلا تجدن في نفسك من قوله.
فردّ عليه عثمان، فقام إليه ذلك الرجل، فلطم عينه فخضرها.
فقال الوليد بن المغيرة لعثمان:
إن كانت عينك لغنية عمّا أصابها، لِمَ رددت جواري؟
فقال عثمان: بل واللّٰه إن عيني الصحيحة لفقيرة لمثل ما أصاب أختها في اللّٰه، لا حاجة لي في جوارك.