166باتجاه تغيير المجتمع في المنحنى الصحيح الذي يحقّق العدل لجميع أبنائه. وذلك إذعاناً لأمر اللّٰه تبارك وتعالى ونبيه المصطفى صلى الله عليه و آله و سلم بإقامة دار الإسلام.
ودراسة تاريخ الأمم والشعوب أمر هام لاستخلاص الدروس والعبر حتى لا نقع في الزلل. كما أن هذه الدراسة أمر حثّ عليه القرآن الكريم في العديد من آياته الكريمة: يقول اللّٰه تبارك وتعالى: «أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبةُ الذين من قبلهم كانوا أَكثَر منهم وأشدَّ قوةً وآثاراً في الأرض فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون فلمّا جاءتهم رسلُهم بالبيّنات فرحوا بما عندَهم من العِلم وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون فلمّا رأوا بأسَنا قالوا آمنّا باللّٰه وحدَهُ وكفرنا بما كُنّا به مشركين فلم يكُ ينفعُهم إيمانُهم لمّا رَأوا بأسنا سنةَ اللّٰه التي قد خلت في عباده وخَسِر هنالِك الكافرون» 1.
كما أنّ دراسة التاريخ أمر يشترك فيه جميع الناس، ولا يختص به المسلمون. أما ما اختص به المسلمون - من حيث إنهم إذا تركوه أو تجاوزوا عنه، أصبحوا آثمين - هو موضوع التأسي برسول اللّٰه صلى الله عليه و آله و سلم.
يقول تبارك وتعالى: «لقد كان لكم في رسول اللّٰه أسوة حسنة» .
من هنا كانت دراستنا لغزوة بدر أمر لابدّ منه إذعاناً لأمره تعالى؛ ذلك لمعرفة كيفية طاعة الرسول المصطفى على صعيد بناء المجتمع ومجابهة الأعداء، وتحديد الأولويّات في العمل السياسي من جميع جوانبه.
بدايات بدر:
1 - المستوى الفكري والنظري:
أمضى الرسول الكريم أكثر من عشر سنوات في مكّة بعد بعثته يربي أصحابه على الإسلام، وكان القرآن الكريم ينزل عليه. والمسلمون يدرسونه ويتدبرونه. وهذه الفترة وما تلاها في المدينة المنورة يمكننا تسميتها البدايات النظرية للمعركة مع المشركين. يقول تبارك وتعالى: «كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن اللّٰه واللّٰهُ مع الصابرين» 2، فالنصر ليس حكراً على الكثرة، ويمكن للقلة إذن أن تكسب النصر في شروط معينة، وهذا واضح تاريخياً. والقرآن الكريم زاخر بالأمثلة. فتجارب الأنبياء مع أقوامهم كانت الغذاء الروحي للمسلمين في مكة. وكان النصر من نصيب المؤمنين مع أنهم كانوا قلة.
ما نقدم لا يعني بالضرورة أن شروط النصر للقلة على الكثرة هي قيادة أحد الأنبياء لها أو إيمانها بالتوحيد، لأنّ اعتماد هذين الشرطين