١٢٣على ازالته منه لما أمكنه ذلك، ثم لوى يده وأخذ المفتاح منه، وفتح باب الكعبة ودخل الرسول صلى الله عليه و آله و سلم إلى الكعبة فصلى ركعتين، فلما خرج سأله عمّه العباس أن يعطيه المفتاح فنزل قوله تعالى: «إن اللّٰه يأمركم أن تؤدوا الأمانات الىٰ أهلها» فأمر النبي صلى الله عليه و آله و سلم علياً أن يرد المفتاح الىٰ عثمان، فقال: يا علي! أكرهت وأديت ثم جئت برفق. قال لقد أنزل اللّٰه عزّ وجلّ بشأنك قرآناً، وقرأ الآية عليه، فأسلم عثمان فأقرّه النبي صلى الله عليه و آله و سلم في يده ١.
كل دعوة تحتاج - مهما كانت محقة - الىٰ قوة تساندها، قوة المال، وقوة الزند والسيف، وقد كان رسول الهداية محمد صلى الله عليه و آله و سلم يحتاج الىٰ الاثنين معاً كغيره من أصحاب الدعوات الصالحة، وقد وفق اللّٰه بمال خديجة فانفقته حتى لم يبق منه شيءٌ، وبقي زند علي عليه السلام الذي رافق الدعوة حتى ثبّت أركانه.
وفروسية علي وقوته وشجاعته كانت لا تخفى على أحد، وكانوا يهابونه صغيراً وكبيراً، وإذا تصدى علي عليه السلام لموقف كانوا يعرفونه لا يرجع حتى يفتح اللّٰه على يده.
من هنا لم يكن بإمكان عثمان بن طلحة ولا غيره أن يختبئ، أو يصعد على سطح الكعبة هروباً في وجود هذا الجيش، خصوصاً وجود الذراع التي تطوي الحديد. فهل بإمكانه مقاومة هذا الساعد الذي يحمل الفرس والفارس أو يضرب الفارس المقنع بالحديد فيقده نصفين؟
ظنَّ عثمان أنه بإمكانه أن يمتنع وهو بعد لم يعرف قدرة علي، وشدّة ساعده، كان يسمع في عليّ وقوته، والآن تحقق له عندما أمسك علي بيده ماذا حلّ به. كيف استلم دون مقاومة كأنه كان أمام أمرين إما أن يقع بدون حركة، أو يقدم المفتاح بدون ضجيج، فكان التسليم للصاعقة الإلهية ليسف علي وساعده؛ ليدخل النبي الكعبة وليعلن موقفه واضحاً دون قتال في هذا البيت العتيق.
الدور السابع:
لا يكفي أن يفتح النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم مكة المكرمة ويترك ما حولها من جيوب، يترك المحيط بعيداً عنها عقائدياً وأخلاقياً، بل لابد من الدعوة الشاملة والخير العميم حتى تعود مكة بجوارها وقراها، لتعود أمّ القرى بأولادها وأحفادها كما أراد لها ربّ العزة، تمشي في الطريق السوي ليدخل الناس في دين اللّٰه أفواجاً.
ومن هنا عندما هدأت العاصفة، واستتبَّ الأمن في البلد الحرام، وأمن من آمن، وقتل من قتل، وتحقق النصر الإلهي، ونصر اللّٰه عبده وأعزّ جنده، وهزم الأحزاب وحده. بث السرايا إلى القرى المجاورة تدعو الناس للإسلام، وكانت القرى - التي سمعت بنصر اللّٰه، وخذلان قريش - على شيء من الاستعداد تنتظر هذه السرايا؛ لتعلن كلمة التوحيد وتنضوي تحت لواء الدين الجديد.
وكان ممن بعث خالد بن الوليد على رأس سرية الىٰ بني جذيمة، وكانت بنو جذيمة قد أصابت في زمن الجاهلية عوف بن عوف أبا عبد الرحمن بن عوف والفاكه بن المغيرة، وكان من أقارب خالد، فلما وصل خالد إلى القبيلة حملوا السلاح في وجهه، فطلب اليهم القاء السلاح فلم يقبلوا لخوف من أخذ الثأر منهم، قال رجل منهم يقال له جحدم: