122الألوهية في أذهان الناس، وتحطيم المظاهر الصنمية وقلعها من الأذهان، وتحطيم كل المظاهر الصنمية الموجودة في الكعبة وفي جوارها. قال الإمام الرضا عليه السلام - كما في البحار - وكانت ثلاثمائة وستين صنماً حول الكعبة عندما فتح النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم مكة فمر بها وجعل يطعنها بمخصرة في يده ويقول: جاء الحقُّ وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً، فجعلت تكب لوجهها 1. وفي رواية ابن شهر آشوب: إن الإمام علياً عليه السلام صعد على أكتاف النبي وكسر الأصنام الموجودة على ظهر الكعبة.
واذكر بعض الأبيات التي أرويها من حافظتي، وكنت قد حفظتها قبل أكثر من ثلاثين عاماً، والمصدر الآن غير موجود في مكتبتي التي أحرقها الظالمون.
وهذه هي الأبيات: قيلَ لي قلْ في علي مِدَحاً
كان هدف الإسلام محو الصنمية من الوجود الخارجي، بل الوجود الذهني أيضاً، والعقيدة الصنمية حالة مستعصية، مركوزة في الذهن والوجدان، وبعضهم رضع عقيدة الصنم وعبادة الصنم مع الحليب فأنّى له أن يترك هذه العبادة ولو كانت خرافة فوقها خرافة؟ والذي عشق الخرافة ورضع الخرافة، لا يراها خرافةً وإنما يراها صحيحة، وهذا هو الجهل المركب. ومشكلة الرسالة كانت مع هذا الجهل المركب، مع التعقيد النفسي والذهني. فهل كان الرسول بإمكانه غرس العقيدة الإلهية دون إزالة العقيدة الصنمية من الأذهان؟ وهل يمكن محوها من الذهن قبل محوها من الواقع؟ ومَن الذي يساعده على هذه المهمة الصعبة إلّارجل الصعاب، رجل المواقف، إلا عليّ الذي صعد على كتف النبيّ، وحمل فأس النبوة بيده القوية وزنده المتين، حتى كسرها تكسيراً؟ وبذلك تمّ الانتصار الحقيقي للإسلام بازالة كل آثار الصنمية ومحوها من الوجود.
الدور السادس:
سدانة البيت العتيق في الجاهلية والإسلام مكانة مرموقة، وكان أولاد أبي طلحة قد ثبتوا هذا الشرف، ولا ينافسهم فيه غيرهم من قريش وظلوا على ذلك زماناً، وكان رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله و سلم قد قال لعثمان بن أبي طلحة - يوماً من الأيام -: ربما يأتي زمان يكون هذا المفتاح في يدي أضعه حيث أشاء، فهزع عثمان بهذا الكلام.
ومن الطبيعي بعد سقوط مكّة وفتحها بهذا الجيش الجرّار، أن يركز فيها المواقع الأساسية كالسدانة والسقاية والولاية وما إليها، وأحسّ عثمان بأن أيامهم انتهت فأغلق الباب، وصعد بالمفتاح على السطح، وكأنه أراد أن يختبئ وينجو بهذا العلو فوق سطح الكعبة قائلاً: لو أعلم أنه رسولُ اللّٰه لم أمنعه - يعني بقي على عناده بعد أن دخل الناس في دين اللّٰه أفواجاً - وعندها أمر النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم عليّاً عليه السلام أن يصعد السطح، ويأخذ المفتاح منه، ولما وصل عليّ عليه السلام الىٰ عثمان حاول التمنع، ولكن علياً أمسكه فحاول الانفلات، ولكن هيهات فقد أمسكه ذو قوة لو اجتمع جيش عرمرم