121إليه سعيد بن حريث، وعمار بن ياسر، فسبق سعيد عماراً فقتله وقتل مقيس بن صبابة في السوق، وقتل علي عليه السلام إحدى القينتين وأفلتت الأخرى، وقتل أيضاً الحويرت بن نفيل بن كعب.
وبلغ علياً عليه السلام أن أُخته اُمَّ هاني بنت أبي طالب قد أوت ناساً من بني مخزوم، منهم الحارث بن هاشم، وقيس بن السائب، فقصد نحو دارها مقنعاً بالحديد فنادى: أخرجوا من آويتم، فجعلوا يذرقون كما تذرق الحبارى خوفاً منه، فخرجت إليه أمُّ هاني وهي لا تعرفه فقالت: يا عبد اللّٰه أنا أمُّ هاني بنت عمّ رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله و سلم وأخت عليّ بن أبي طالب، انصرف عن داري، فقال: أخرجوهم. فقالت: اللّٰه! لأشكونّك الىٰ رسول اللّٰه. فنزع المغفر عن رأسه فعرفته فجاءت تشتد حتى التزمته فقالت: فديتك، حلفت لاشكونك الىٰ رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله و سلم، فقال لها: اذهبي فبرى قسمك فإنه بأعلى الوادي. قالت أمّ هاني: فجئت إلى النبي صلى الله عليه و آله و سلم وهو في قبة يغتسل وفاطمة عليها السلام تستره، فلما سمع رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله و سلم كلامي، قال: مرحباً بك يا أمّ هاني، قلت: بأبي وأمي ما لقيت من علي اليوم، فقال صلى الله عليه و آله و سلم وقد فهم ما تريد: قد أجرتُ من أجرتِ، فقالت فاطمة عليها السلام تشكين علياً عليه السلام، لأنه أخاف أعداء اللّٰه، واعداء رسوله، فقلت:
احتمليني فديتك، فقال رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله و سلم: قد شكر اللّٰه سعيه وأجرتُ من أجارت أم هاني لمكانتها من علي بن أبي طالب 1.
هل قرأت معي كيف نفذ الأوامر، وقتل الأعداء، ولاحقهم ولم يتراجع، ولم يراعِ بذلك بيوت أهله وأقاربه، ولا بيت أخته الوحيدة، التي لم يرها منذ زمن؟ ولكنه عليّ المعروف بفنائه بالحقّ، ومعاداته لأهل الباطل، وهو القائل : ما ترك لي الحقّ صاحباً. فبينا ترى بعض الصحابة يخاف على أهله لتصور شيطاني، أو يخاف على مستقبل وضعه لظنه أو احتماله غلبة قريش، فإذا به يفشى الأسرار العسكرية، أو يتراجع حين البأس ويفرّ من المعركة، أما علي هو هو في المسجد والمحراب وفي المعركة والمواقف مع الأهل والأخت والبنت والأولاد على حدّ سواء، لا يقدم على الحقّ أحداً.
الدور الخامس:
بعدما لوت مكة جيدها، وأذعنت لبيرق النبوة، وتحولت الىٰ سلطة الرسول صلى الله عليه و آله و سلم، ودخل الناس في دين اللّٰه أفواجاً حيث خرجت الرجال من مخابئها، وأسلمت وخرجت النساء من خدورهن واسلمن، وانضوى الناس في ظل الرسالة الإسلامية، وعادت مكة الىٰ دورتها الأولى يوم خلق اللّٰه السماوات والأرض، وعاد البلد الحرام حيث يحرم فيها سفك الدماء، وأصبحت واحة الأمان والراحة والاطمئنان، دخل النبي صلى الله عليه و آله و سلم فاتحاً لا كما يدخل الفاتحون عنوةً بل كما يدخل الرسل المتواضعون ذاكراً ربّه، ناظراً الى قربوس فرسه، لم يدخل مستعلياً ولا مستكبراً وإنما دخل ذاكراً شاكراً مسبحاً مستغفراً.
وبما أن مكةَ المكرمة كانت مجمع عبادة العرب، ومركز التجمع الصنمي أيضاً، وكان الغرض الأساس من الحرب الفكرية والنفسية والمادية إزالة دولة الصنمية، وتأسيس دولة الإله الواحد الحقّ مكانها، كان لابد من تركيز