12إلى الشعور بالغرور، الذي يوحي لك بضخامة معينةٍ في شخصيتك لا وجود لها في الواقع، فيخيّل إليك بأنك لا يمكن أن تخطئ! لأن الحق معك، فيما تملكه من وضوح الرؤية للأشياء، ومستوى المعرفة في عقلك وتجربتك.
إن هذه الوقفات توحي لك - من موقع الرمز - بأن عليك أن تخفف من سرعة اندفاعاتك؛ لتقف وتفكر بما قلته أو فعلته، لتكتشف احتمالات الخطأ والصواب فيه؛ لتنقد نفسك نقداً موضوعياً في كل ذلك. . لتفهم نفسك جيّداً.
إن الموقف في عرفات والمزدلفة ومنى - أمام اللّٰه - هو موقفٌ نقديّ تأمليٌّ لتذكر نفسك، وتذكر ربك، وتفكر في موقعك منه وفي موقفه منك. . وفيما يجب أن تتحرك فيه نحو المستقبل من أعمالٍ ومشاريع ونتائج. . ولا سيّما في منى، التي توحي إليك لياليها بأنك في الموقع الأخير من الحج. . فكيف كنت. . وكيف أنت الآن، وماذا تريد أن تفعل غداً. .
وما هي طموحاتك الجديدة؟ . . هل هي قصة الدنيا في الإخلاد إلى الأرض، أو هي قصة الآخرة والدنيا في عملية الاندماج بينهما، فيما هي الفكرة، وفيما هي الروح، وفيما هو الهدف الكبير في ابتغاء رضوان اللّٰه. . كما يريد اللّٰه لنا أن نعيش المسألة هناك في الابتهال إليه.
«. . . فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا وما له في الآخرة من خلاق ومنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار أولئك لهم نصيب مما كسبوا. . .» 1.
وبذلك فإن الحجّ لا يفصلك عن الدنيا، بل يريد أن يربطك بالآخرة إلى جانب الدنيا في عملية تكاملٍ وامتدادٍ.
وأخيراً. . إن الحجّ يُطلّ بنا على فكرة الصراع ضد الشيطان، من خلال الإيحاء الحسي في عملية رجم الشيطان ، بطريقة رمزية لا تبتعد عن الواقع، فيما تتحرك به الحياة. . إنك لم تستحضر شيطاناً خفيّاً يعيش في زوايا نفسك من دون أن تعرف طبيعته، بل إنك تستحضر في داخل وعيك الذاتي كل الشياطين، من خلال طبيعة فكر الشيطان، لا من خلال حجمه. .
إنك تتطلع لتجد الشيطان في نفسك وفي واقعك؛ لتبصر وتحدّق جيداً أين هو الشيطان في داخل ذاتك، وأين هو في حياتك الاجتماعية. . وفي حياتك السياسية. . وما هو حجمه فيما يتمثل به من أحجام القوّة في مواقع السلطة. .
بين حجمٍ كبيرٍ وصغير، وأكبر. . أو متوسّطٍ؟
وهذا هو معنى نهاية الحجّ. . في عملية رجم الشيطان. . أيها الإنسان المسلم الحاج. . لقد انتهيت من عملية التدريب فيما هي التجربة على مستوى الحركة الذاتية في العبادة، في المواقع التي لا تمثل التحدي الصارخ في ساحة الصراع. . وها أنت تقف لترجم الشيطان. . ؛ لترى أمامك كل شياطين الكفر والظلم والاستكبار في مواقع القوّة في العالم. . وها أنت قد انتهيت من الحج إلى ساحة العمل؛ لتنطلق في الحياة كلها بكل أصنامها ومواقفها ومشاكلها وشياطينها ووسائلها وغاياتها. .
إنها عملية النجاح، في الحج. . بعد ذلك، لا في نهاية الحج، بل في نهاية الحياة عندما يقوم الناس لرب العالمين.
هل انتهى الحجّ. . بانتهاء أعماله؟
إنه لم ينته بل بدأ الآن، ليكون الحجّ إلى الحياة الإسلامية التي تنتظر أكثر من حج، إلى الساحات الملتهبة في الواقع الإسلامي في كل أنحاء العالم. . ؛ ليكون الدين كله للّٰه. . وتكون الحياة في خدمة اللّٰه. .
وتلك هي قصة الإنسان عندما يعبد ربه من موقع إحساسه بالإيمان المسؤول، والهدف المسؤول. . لا من موقع