11وقد يكون هذا الكلام معقولاً ومقبولاً، ولكنّ هناك نقطةً مهمّة، وهي. . إن العقلية الإسلامية الشاملة تفرض على الإنسان المسلم الذي يتحرك في قضية بلده أو منطقته - كقضيةٍ إسلامية - أن يدرس موقعها من المسألة الإسلامية في العالم من حيث طبيعتها السياسية أوالاقتصادية أو الأمنية؛ لتعرف كيف يكون حجم حركتك وكيف يكون موقفك من هذا الوضع أو ذاك في هذا البلد، أو في ذلك البلد، فهناك فرق بين أن تفكر بأن تنتصر قضية بلدك حتى لو انهزمت كل قضايا الإسلام في العالم، وبين أن تفكر ببلدك كجزءٍ من قضايا الإسلام الكبرى. .
إننا نقول، لا تتحمسوا لقضاياكم الخاصّة. . ، لتقولوا بأن المسلمين في هذا البلد يهتمون بقضاياهم، لأنهم لا يجدون أحداً من المسلمين الآخرين قادراً على حمايتها. . كما أن المسلمين في البلد الآخر يقولون نفس القول. . لكنّ هناك نقطةً مهمّةً لا بدّ من ملاحظتها بدقة وهي؛ إننا نهتمّ بقضايانا على أساس أنها جزءٌ من كلٍّ، لا على أساس أنها قضيّةٌ منفصلةٌ عن الجسم الإسلامي.
إننا ندعو - من خلال الحجّ - إلى أن نصوغ شخصية الإنسان المسلم العالمي من جديد، الذي يفكر في الإسلام بحجم العالم من خلال قدراته وإمكاناته، وليطوِّر نفسه بحيث يستطيع أن يكون مفيداً للمسلمين في كل منطقة من مناطق الأرض. . فلا تتجمد طموحاتنا في الزوايا الضيّقة والمواقع المحدودة، ولا تتساقط مواقفنا عند الحواجز الذاتية الخاصة. .
إننا إذا استطعنا الوصول إلى هذا الهدف الكبير في صنع الشخصية الإسلامية العالمية؛ فإننا نستطيع أن نعتبر أنفسنا في الموقع الصحيح للبداية الحاسمة؛ التي نتحول فيها إلى أمّةٍ بدلاً من أن نبقى أفراداً متناثرين، أو جماعات متفرّقة. وهذا هو ما نستوحيه من معنى الطواف حول البيت.
ثم ننتقل إلى السعي بين الصفا والمروة، الذي يمثل حركة الإنسان من بداية معينة إلى نهاية معينة، في أشواط. .
من أجل أن نتعبد للّٰهفي ذلك لأنه أمرنا به. . فكان السعي حركةً في معنى الطاعة، وسرّ العبادة. . ؛ لتكون انطلاقةً ايجابية تربويةً في بداياتٍ ونهاياتٍ أخرى في حركة الإنسان في طلب العلم، أو في تحصيل القوّة، أو في مواجهةِ التحديات التي يفرضها المستكبرون، أو في إطلاق المواقف المتحدية ضدهم، أو في قضاء حوائج الناس. . ؛ لأن اللّٰه طلب منك السعي من أجل هذه الأمور، كما طلب منك السعي في هذا المكان. .
إن اللّٰه يريد منك أن تجعل الحياة حركةً من أجل اللّٰه في خط المسؤولية؛ لتحوّلها إلى ساحةٍ تبتعد عن كل الفئات الطاغية والكافرة والمستكبرة؛ ليكون سعيك بدايةً ونقطة انطلاق إلى كل الساحات في العالم فيما أرادنا اللّٰه أن نتحرك فيه من ساحات.
ثم نعيش - في الحج - الوقفات، في عرفة، وفي المزدلفة، وفي منى التي نعيش لياليها في لحظات تأمّلٍ وتفكير. .
إننا نشعر بأن إيحاءاتها، وبأن الإنسان عندما يندمج في أجواء الحركة في الحياة، في أيّ موقعٍ من مواقعها، وفي أيّ اتجاه من اتجاهاتها في العلم والسياسة، والحرب والسلم، لا بدّ له من أن يقف ليفكر، وليتأمل، وليحسب حساب الأرباح والخسائر؛ ليكتشف فيما يمكن أن يكون قد وقع فيه من انحرافٍ في خط السير، لئلا تؤدي بك الغفلة في اندفاع الحركة