51امامة فدلالته علي وجوب الفور من جهة الاطلاق فانه باطلاقه شامل لمن أخر الحج بغير عذر - رغم استطاعته - مع عزمه علي الاتيان بالحج في السنين المقبلة، فانه مشمول لقوله: من لم يمنعه عن الحج حاجة ظاهرة - الي قوله - فليمت إن شاء يهودياً أو نصرانياً، فيكون دالاً علي عدم جواز التأخير في اداء فريضة الحج بغير عذر.
واما الخامس والسادس: فقد يعترض عليهما بضعف السند أيضاً وجوابه نفس ما ذكرناه سابقاً، وبالمعارضة مع ما دلّ علي جواز التأخير، وسوف نبيّن فيما يأتي عند البحث عن ادلة القائلين بالتراخي قصور ما ادّعي كونه معارضاً عن المعارضة.
واما السابع: فقد اعترض عليه بأنّ قياس الحج بالصوم قياس مع الفارق، فان الصوم وقته مضيّق فكان فعله مضيّقاً بخلاف الحج 61.
والجواب عنه: انه ان أريد من التضيق في وقت الصوم أنّ له وقتاً معيّناً فالحجّ كذلك أيضاً، فليست الاوقات سواءً بالنسبة إلي فعل الحج بل المتعيّن ايقاعه في ايام خاصّة. وان أريد منه عدم جواز تأخيره فهذا عين المدّعي في الحج، فنفيه عن الحجّ مصادرة للمطلوب.
واما الثامن: فقد فقد اعترض عليه أولاً: "بعدم التسليم بوجوب الجهاد فوراً بل الفور والتراخي فيه موكول إلي ما يراه الامام بحسب المصلحة. وثانياً: ان في تأخير الجهاد ضرراً علي المسلمين بخلاف الحج" 62.
والجواب عن الأوّل من الاعتراضين:
أن الكلام مبني علي القول بالفور في الجهاد، اما علي تقدير انكاره في الجهاد فلا كلام. واما الجواب عن ثاني الاعتراضين، فبأنّ القائل بالفور في فريضة الجهاد لا يري ذلك مختصاً بما اذا لزم الضرر من التأخير، بل يري الفور حتي في صورة القطع بعدم الضرر في التأخير، فيقاس به التكليف بالحجّ.
واما التاسع: " فقد اعترض عليه بانا نختار انه اذا أخرّ حتي مات يكون عاصياً، ولكن عصيانه من جهة تفريطه بالتأخير إلي الموت، وانما جاز له التأخير بشرط سلامة العاقبة كما اذا ضرب ولده او زوجته أو المعلم الصبي أو عزّر السلطان انساناً فمات، فانه يجب الضمان، لانه مشروط بسلامة العاقبة " 63.
والجواب عنه: أنّ الفور لو لم يكن واجباً لم يكن وجه لعصيانه بالتأخير حتي الموت، وسلامة العاقبة ليس تحت الاختيار ليعتبر شرطاً في التكليف، اما الضمان فإنّه حكم وضعي، ولا بأس بان يناط الحكم الوضعي بما لا يقع تحت الاختيار بخلاف الحكم التكليفي المتنازع فيه.
أدلّة القول بالتراخي:
واحتجّ القائلون بالتراخي بعدّة أدلّة وهي:
أوّلاً: ان فريضة الحج نزلت سنة ست من الهجرة وقد حجّ النبي سنة عشر، وقد كان هو واصحابه موسرين بما غنموه من الغنائم الكثيرة ولا عذر لهم، فلم يكن تأخيره للحج إلاّ لبيان جواز التأخير 64.
اما ان فريضة الحج نزلت سنة ست فلحديث كعب بن عجرة قال: "وقف عليّ رسول الله (صلّي الله عليه وآله وسلّم) بالحديبيّة، ورأسي يتهافت قملاً، فقال: يؤذيك هوامّك؟ قلت: نعم، يا رسول الله. قال: فاحلق رأسك. قال: ففيّ نزلت هذه الآية : فمن كان منكم مريضاً أو به أذيً من رأسه ففديه. . الي آخرها وبذلك يثبت ان قوله تعالي: واتموا الحج والعمرة لله الي آخرها نزلت سنة ست من الهجرة " 65.
ثانياً: جاء في حديث انس عن رسول الله (صلّي الله عليه وآله وسلّم) حينما جاءه رجل من اهل البادية فسأله قال: "يا محمّد اتانا رسولك فزعم لنا أنك تزعم أن الله أرسلك، قال: صدق، الي ان قال: وزعم رسولك ان علينا حج البيت من استطاع إليه سبيلاً، قال: صدق" رواه مسلم في صحيحه في اوّل كتاب الايمان بهذه الحروف وروي البخاري أصله، وفي رواية البخاري "ان هذا الرجل ضمام بن ثعلبة، وقدوم ضمام بن ثعلبة علي النبي