47ودلالة الحديث علي وجوب العمرة ليست من جهة دلالة الامر بالعمرة علي الوجوب ليقال: " لا دلالة فيه علي وجوب العمرة لانه أمَر الولد إن يحج عن ابيه ويعتمر ولا يجبان علي الولد عن ابيه إجماعاً " 34 بل من جهة ان الرواية تدل علي ان السائل انما يسأل عن وظيفة العاجز عن اداء تكليفه الشرعي، فهو يفترض في سؤاله سلفاً ان هناك واجباً شرعياً قد توجّه الي ابيه وقد عجز عن أدائه، فماذا عليه بعد العجز عن اداء التكليف؟ هل يسقط عنه التكليف نهائياً، او يسقط عنه شرط المباشرة في الاداء فحسب، فعليه إذاً ان يستنيب؟
فيجيبه الرسول الكريم (صلّي الله عليه وآله وسلّم) بأنّ العجز انما يوجب سقوط المباشرة في اداء التكليف ولا يوجب سقوط التكليف رأساً، فلا بُدّ للعاجز من أن يستنيب، ولا يراد من توجيه الأمر إلي الولد بيان تعيّن النيابة فيه، بل انما هو بيان لاقرب مصاديق النيابة امكاناً والصقها بالواقع العملي والتحقق الخارجي، كما اذا دلّ الطبيب المريض علي اقرب الصيدليّات وأسهلها في الحصول علي الدّواء الناجع لبرئه عن علته.
فلو ان الحج والعمرة المفروضين في سؤال السائل لم يكونا واجبين، لم يكن وجه للسؤال عن التكليف في صورة العجز عنهما لوضوح الحال حينئذٍ فانّ العمل المتطوّع به لا الزام في الاتيان به في حال السلامة والقدرة فكيف بحال العجز وعدم الاستطاعة! وهذا من واضحات الشريعة التي لا تخفي علي المتشرّعة عامّة وليس من المحتمل خفاؤه علي المتشرّع العادي ليحتاج الي السؤال.
ولعل هذا هو الوجه فيما حكي عن احمد بن حنبل: " لا اعلم في ايجاب العمرة حديثاً أجود من هذا "، فإنّ تصريحاً كهذا لا يصدر عن فقيه مثل احمد إلاّ فيما لا مجال للتشكيك في دلالة.
هذا ويذكر في الباب احاديث اخري تدل علي وجوب العمرة فقد روي البيهقي باسناده عن ابي هريرة عن النبي (صلّي الله عليه وآله وسلّم) قال: "جهاد الكبير والضعيف والمرأة: الحج والعمرة " 35.
وروي ايضاً باسناده عن جابر ان رسول الله (صلّي الله عليه وآله وسلّم) قال: "الحج والعمرة فريضتان واجبتان" 36.
وروي ايضاً ان الصبي بن معبد قال لعمر بن الخطاب: " اني وجدت الحج والعمرة مكتوبين عليّ فاهللت بهما، فقال: هديت لسنة نبيك" 37 قال ابن حجر: اخرجه ابو داوُد38.
المسألة الثالثة: وجوب الحج والعمرة علي المستطيع فوري لا يجوز تأخيرهما عن عام الاستطاعة بغير عذر، وقد اتفقت علي ذلك كلمة اصحابنا، قال العلامة في تذكرة الفقهاء: "وجوب الحج والعمرة علي الفور، لا يحل للمكلف بهما تأخيره عند علمائنا أجمع" 39.
وقال المحقق النجفي في جواهر الكلام: "وتجب - أي حجة الإسلام - بعد فرض احراز الشرايط علي الفور، اتفاقاً محكيّاً عن الناصريّات والخلاف وشرح الجمل للقاضي، وفي التذكرة والمنتهي، ان لم يكن محصّلاً " 40.
وقد ذهب الي الفور مالك، واحمد، وابو حنيفة، وبعض اصحاب الشافعي41، وابو يوسف. المزني42.
وذهب الي جواز التأخير الشافعي، والاوزاعي، والثوري، محمّد بن الحسن، ونقله الماوردي عن ابن عباس وانس وجابر وعطاء وطاوُس43.
ادلة القول بالفور: وقد استدل اصحابنا للفور بنوعين من الدليل: