46وهذا سنشير الي الاحاديث التي وردت من طرق الفريقين والتي تدلّ علي وجوب العمرة وفيها الحجّة الكافية.
ومما يدل من الكتاب - ايضاً - علي وجوب العمرة قوله تعالي: ولله علي النّاس حجّ البيت من استطاع اليه سبيلاً فإنّ الحجّ معناه: قصد التوجّه إلي البيت بالاعمال المشروعية - كما جاء في اللغة27 - وهو مطلق يشمل العمرة المصطلحة كما يشمل الحجّ المصطلح، ولا دليل علي اختصاصه بالحجّ حسب المصطلح الفقهي المقابل للعمرة، خاصّة وأنّ لفظة الحج في الآية استعملت مضافة إلي البيت ولا شك انّ العمرة مشتملة علي حج البيت كما هو الحال في الحجّ، ولو كانت لفظة الحج في الآية غير مضافة لامكن دعوي انصرافها الي الحج المقابل للعمرة لكنّها ليست كذلك.
اضف إلي هذا ما ورد في تفسير الآية بسند صحيح عن عمر بن أذينة قال: كتبت إلي أبي عبدالله (عليه السلام) بمسائل بعضها مع ابن بكير وبعضها مع أبي العباس فجاء الجواب بإملائه: "سألت عن قول الله عزّ وجلّ: ولله علي النّاس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً يعني به الحجّ والعمرة جميعاً لأنهما مفروضان" 28.
واما من السنة فما يدلّ علي وجوب العمرة كالحج احاديث كثيرة من طرق الفريقين، اما من طرقنا فقد سبقت الاشارة الي صحيحة عمر بن اُذينة عن الصادق، وروي ايضاً في الصحيح عن الصادق (عليه السلام) انه قال: " العمرة واجبة علي الخلق بمنزلة الحجّ علي من استطاع لانّ الله عزّ وجلّ يقول: واتموا الحج والعمرة لله " 29.
واما من طريق اهل السنة، فقد روي البيهقي باسناده عن يحيي بن يعمر عن ابن عمر قال سمعت عمر بن الخطاب يقول: بينما نحن جلوس عند رسول الله (صلْي الله عليه وآله وسلّم) اذ جاء رجل عليه سحناء سفر وليس من اهل البلد - الي ان قال - فقال يا محمّد ما الاسلام؟ قال: " تشهد ان لا إله الاّ الله وأن محمّداً رسول الله وان تقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتحج البيت وتعتمر وتغتسل من الجنابة وتتم الوضوء وتصوم رمضان، قال: فإن قلت هذا فأنا مسلم؟ قال: صدقت " - قال البيهقي ورواه مسلم في الصحيح عن حجاج ابن الشاعر عن يونس بن محمّد الا انه لم يسق متنه -30.
ودلالته علي وجوب العمرة من جهة ان الظاهر من سؤال السائل أنّه أراد الوقوف علي ما يعتبر ويشترط في صدق عنوان الاسلام فانّ السؤال ب- "ما" عن الشيء سؤال عن ماهيّة الشيء ومقتضي التطابق بين السؤال والجواب أن يتضمن الجواب كلما يعتبر في ماهيّة الشيء المسؤول عنه، ومعني اعتبار الشيء في ماهيّة ما سئل عنه انتفاؤه بانتفائه، وحينئذٍ فالجواب يتضمّن أموراً ينتفي الإسلام بانتفائها، ومقتضي ذلك وجوب كل ما ذكر في الجواب لكونه شرطاً معتبراً في صدق الإسلام علي الفرد المسلم، إلاّ ما دلّ الدليل الخارج علي عدم انتفاء الإسلام بانتفائه، أو علي عدم وجوبه.
واما سند الحديث: فقد روي الدارقطني هذا اللفظ الذي رواه البيهقي بحروفه ثم قال: هذا اسناد صحيح ثابت31.
وروي روي البيهقي ايضاً باسناده عن ابي رزين انه قال: يا رسول الله ان ابي شيخ كبير لا يستطيع الحج والعمرة ولا الظّعن قال: "احجج عن ابيك واعتمر".
ثم قال البيهقي: اخبرنا ابو عبدالله الحافظ، ثنا علي بن حمشاذ، ثنا أحمد ابن سلمة، قال: سألت مسلم بن الحجّاج عن هذا الحديث - يعني حديث ابي رزين هذا - فقال: سمعت احمد بن حنبل يقول: " لا اعلم في ايجاب العمرة حديثاً أجود من هذا ولا اصح منه " 32.
وقال النووي بعد نقله لرواية البيهقي: "وحديث ابي رزين هذا صحيح رواه أبو داوُد والترمذي والنسائي وابن ماجة وغيرهم بأسانيد صحيحة، قال الترمذي: هو حديث حسن صحيح" 33.