37كذلك كان من الواجب علي كلّ من أراد الطواف للمرة الأُولي، أن يطوف بلباس أهل الحرم، أي الحُمْس، وإن لم يجد ذلك طاف عريان42.
كذلك إذا تزوّج رجل من نسائهم فإنّ أولاده يكونون من الحُمْس، ولهذا الأمر بواعث سياسية واقتصادية أيضاً، وقد تفاخر بعض شعراء الجاهلية بذلك.
2- الحلّة: وهم قبائل سكنوا خارج الحرم، أي في الحلّ، وعرفوا بالحلة، وكان الفرق بين أهل الحل وأهل الحرم في أن أهل الحل كانوا في ايام الحج يذيبون السمن، ويأكلون الإقط واللحم، ويضعون الزيت علي أجسامهم، ويلبسون من الصوف والشعر، ويقيمون في الخيام، ويؤدّون المناسك بثيابهم، وبعد الفراغ وعندما يدخلون الكعبة يتصدّقون بنعلهم وثيابهم، ويستأجرون للطواف الثياب من أهل الحُمْس 43.
3- الطُلْس: قيل إنّهم اليمنيون من أهل حضرموت وعكّ وعجيب وإياد بن نزار، والوجه في تسميتهم هو مجيئهم من مناطق بعيدة وبالتالي طوافهم بالبيت وقد غطاهم الغبار 44. وكان هؤلاء يماثلون الحلة في الإحرام، والحُمْس في ارتداء الثياب ودخول البيت 45.
العُمْرة:
يأتي أهل الجاهلية من الحُمْس والحلة والطُلْس إلي الكعبة لغير الحجّ أيضاً وذلك لأداء العمرة، وكانوا يمتنعون عن التلبيد ويحلقون سلفاً خلافاً لما كانوا يفعلونه في الحجّ، ويعدون أداء العمرة في أشهر الحجّ، ذي القعدة وذي الحجة ومحرم، من الذنوب التي لا تغتفر، فهم يقولون:
"إذا برأ الدبُر وعفا الوَبَر، ودَخَل صفر، حلَّت العمرة لمن اعتمر" 46.
ولا فرق بين العمرة والحج من حيث الاحرام والطواف، بيد أنها لا تتضمّن الوقوف في عرفة والمزدلفة ومني، ورمي الجمرات.
السقاية والرفادة:
لوقوع مكة في وادٍ غير ذي زرع، ولشحّة المياه فيها، فإن سعي القرشيين الرئيس في أيام الحج كان منصباً علي توفير الماء للحجيج، وقد سمي هذا العمل بالسقاية. وقيل إنّ أول من سقي الحجيج هو قصي.
والمشكلة الثانية في هذه الايام بعد إيصال الماء هي الإطعام، وقد سمي هذا العمل بالرفادة. وقيل إنّ أول من قام به هو قصي أيضاً 47.
وقد بقي هذا العمل لأولاد قصي، إذ تكفّل به من بعده هاشم بن عبد مناف، ثمّ ابنه عبدالمطلب، ثمّ أبوطالب الذي عصر ظهور الاسلام.
وقد شارك في هذا العمل أشخاص آخرون من غير هذه الاسرة، مثل عدي بن نوفل الذي عاصر عبدالمطلب، وكان يسقي الحجيج في الصفا والمروة لبناً وعسلاً 48.
الطواف والتلبية:
إن ما يسترعي الاهتمام وتتّضح فيه هوية الحجّ الجاهلي الحقيقية، هو محتوي التلبيات وارتباطها بالاصنام، إذ لم يكن من حجهم بكل مظاهره غير حركات عابثة وأفعال لا معني لها.