33في عقيدتنا أنّ الحجّ الابراهيمي هو حجّ الاسلام، إلاّ أنّ قيمة هذا الحجّ ومكانته تُدرَك عندما نتتعرّف علي الحجّ الجاهلي وحجّ المشركين، ونجري مقارنة بينهما، كي لا تتحرك - والعياذ بالله - تلك الرواسب الباقية في أذهان المسلمين، وتطرح مقابل الحجّ الابراهيمي الذي أمر به القائد الكبير للثورة ومؤسّس الجمهورية الاسلامية في إيران سماحة الامام الخميني - قدّسنا الله بسره العزيز - وأُقيم للمرة اْلأُلي في هذا العصر.
لم يتّفق المؤرّخون السابقون علي رأي واحد بشأن دخول الشرك وانتشاره في الجزيرة العربية، فبعضهم مثل هشام الكلبي رأي في كتاب "الأصنام ": " أنّ إسماعيل بن إبراهيم (صلّي اللهُ عليهما) لما سكن مكة وولد له بها أولاد كثيرٌ حتي ملأوا مكة ونفوا من كان بها من العماليق، ضاقت عليهم مكة ووقعت بينهم الحروب والعداوات وأخرج بعضهُم بعضاً، فتفسَّحوا في البلاد لالتماس المعاش.
وكان الذي سَلَخ بهم إلي عبادة الأوثان والحجارة أنّه كان لا يظعنُ من مكة ظاعنٌ إلاّ احتمل معه حَجَراً من حجارة الحرم، تعظيماً للحرم وصبابةً لمكّة " 15.
وقد أدّي هذا العمل علي المدي الطويل إلي نشوءصناعة الأصنام، وعبادتها وبالتالي ساد الشرك الجزيرة.
وكانوا في ديار الغربة يدورون حول هذه الأصنام، ويطوفون حولها كما يطوفون حول الكعبة. إلاّ أنّ هشام يضيف قائلاً: "وهم بعدُ يعظمون الكعبة ومكّة، ويحجّون ويعتمرون، علي إرث إبراهيم وإسماعيل (عليهما السلام) " 16.
وفي الأسباب الكامنة وراء الميل نحو الشرك وتغلّبه علي دين إبراهيم، رأي هشام أنّها تتمثّل في توغّلهم واهتمامهم الشديد بالأصنام، موضّحاً أنّه رغم كلّ ذلك كانت ثمّة بقايا مناسك من عهد إبراهيم و إسماعيل (عليهما السلام) قام أهل الجاهلية بأدائها بعد أن مزجوها بتقاليد الشرك، فبدأ الحجّ الجاهلي بمعناه الدقيق من ذلك الحين:
"وفيهم علي ذلك بقايا من عهد إبراهيم وإسماعيل (عليهما السلام) يتنسّكون بها: من تعظيم البيت، والطواف به، والحجّ، والعمرة، والوقوف علي عرفة ومزدلفة، وإهداء البُدن، والإهلال بالحجّ والعمرة، مع إدخالهم فيه ما ليس منه "17.
مناسك الحجّ في الجاهلية:
كان الحجّ في الجاهلية يبدأ من اليوم التاسع من شهر ذي الحجّة، عندما تشارف الشمس علي الغروب، وقبله يجتمع الناس لأغراض التجارة في سوق عكاظ خلال شهر ذي القعده لمدة عشرين يوماً، يتوجّهون بعد انقضائها إلي سوق المَجنّة حيث يمكثون فيه حتي نهاية الشهر وهم يمارسون معاملاتهم التجارية، وإذ هلّ هلال ذي الحجّه انطلقوا إلي ذي المجاز ليواصلوا فيه البيع والشراء علي مدي ثمانية أيام، وفي اليوم التاسع ينادي المنادي فيهم: "تروّوا بالماءِ لأنّه لا ماءَ بعرفة ولا بمزدلفة ".
وبهذه المناسبة سُمي هذا اليوم بيوم التروية، وهو اليوم الذي ينتهي فيه موسم أسواق الحجّ الجاهلي18.
في اليوم التاسع من ذي الحجّة يصل الحجاج إلي عرفة، ويرتدون اللباس الخاصّ بالحج كما أورد الجاحظ: " كانت سيماء أهل الحَرَم إذا خرجوا إلي الحِلَّ في غير الأشهر الحرم، أن يتقلّدوا القلائد ويُعلِّقوا عليهم العلائق، فإذا أَوْ ذَمَ أحدهم الحجّ، تزيّا بزيّ الحاج " 19.