166وحيث نوح يطوف بسفينته. .
وحيث إبراهيم وإسماعيل يجدّدان البناء. .
وحيث موسي وعيسي يحجّان. .
وحيث محمد صلّي الله عليه وآله يولد وينشأ، ويبعث، ويُظلم، ويهاجر، ثم يعود فاتحاً. . وحيث خديجة والزهراء. . وعلي يكسر الأصنام. . والحسين يشد الرحال إلي كربلاء. . وكلّ الأئمة والصحابة والعلماء.
وحيث المهدي يحجُّ كلَّ عام، وينتظر ذلك العام ليطلق ثورته من هنا، من عند هذا الركن، من عند باب الكعبة. .
هنا يوجد الجميع، لأنه بيت رب الجميع. .
وهنا كل شيءٍ من الماضي والحاضر والآتي. . لانه بيت رب الكل. .
الخطوة هنا بوزنها ذهبا. . والهواء بالمثاقيل، لأنه أصلاً للروح قبل الرئتين. . والكلمة لا تقدر بثمن، لأنها تولد في الضوء ويتلقاها ملائكة الكعبة حارة طازجة، فيصعدون بها إلي أعلي. .
ألا تري عروجهم ونزولهم من عند أركان الكعبة الأربعة، بمحاذاة أعمدة النور الصاعدة إلي السماء السابعة، تصعد أفواجهم بكلماتنا وطلباتنا، وتعود محملة بالهدايا والبشائر. .
أما تراهم يجمعون دموع الطائفين في قوارير ليسقوا بها ورودا في حدائق عند العرش. . . وعلي نَعَم وحبيب قلوبنا ينظمون هيمنتهم. . وعلي نمط خفق أرواحنا يخفقون أجنحتهم. .
وانتظمت قافلتنا في نهر الطائفين. . تغتسل بالنور، وتستمطر النور، وتفجر قلوبها بالنور والدموع. . كل منهم قرأ مع المطوف، وقرأ من قصائده هو. .
وماذا أجمل في أدب الشعوب من شعر المحرمين الطائفين حول بيت ربهم، ومن إلقائهم. . وحدهم ملائكة الله جمعوا ديوانهم في مجلدات، ولم توزع نسخه علي أهل الأرض، ولم يصلنا منه إلا القليل من كلمات آدم، ودعاء إبراهيم، وتلبية موسي وعيسي، ومناجاة النبيّ وأهل بيته صلّي الله عليه وآله وكبار الصحابة والفقهاء والعارفين. .
في كل يوم للمسلمين مناجاة وأدعية هند الكعبة، ولكن موسم الحج هو موسم القصائد الحارة، تحمل ذوب الروح وعبيرها. .
بدأ أحدهم بمناجاة زين العابدين عليه السلام.
إلهي عبيدك ببابك، سائلك ببابك فقيرك ببابك، مسكينك ببابك. . اللهم البيت بيتك، والحرم حرمك، والعبد عبدك. . " فلم يستطع أن يواصل قراءتها لأن لغة البكاء منعته من الاسترسال في التحدث بلغة الدعاء، لجلال الموقف وهيبة المشهد.
وتتابعت الأشواط السبعة وانتهت، وتواصلت فيها من الحجاج المناجاة والدعوات. .
ولكنّ أحداً منهم لم يشعر بريِّ ظمئه، فالقضية مع الله عند الكعبة لا يفي لها طواف يذهب نصفه في الزحام، وبعضه في الإِنبهار بجلال المشهد لأول مرة. . فلابد من العودة، ولابد من ساعات طوال للطواف والدعاء والصلاة.