164وأخرج أحمد من محفظته ورقة وقال:
خطبة أمير المؤمنين عليه السلام حول الكعبة التي استشهد عالم القافلة بجزء منها. . رأيت الكعبة الشريفة فهل تحبّ أن أقرأ لك بعضها ريثما يأتي الرفقاء. . . ؟ .
شكراً، تفضل إقرأ.
وقرأ أحمد:
" ألا ترون أن الله سبحانه اختبر الأولين من لدن أدم صلوات الله عليه إلي الآخرين من هذا العالم، بأحجار لا تضر ولا تنفع، ولا تبصر ولا تسمع، فجعلها بيته الحرام الذي جعله للناس قياماً، ثم وضعه بأوعر بقاع الأرض حجرا وأقل نتائق الدنيا مدراً، وأضيق بطون الأودية قُطراً. بين جبال خشنة، ورمال دمثة، وعيون شلة، وقريً منقطعة، لا يزكو بها خفّ ولا حافر ولا ظلف.
ثمّ أمر آدم عليه السلام وولَدَه أن يثنوا أعطافهم نحوه، فصار مثابة لمنتجعِ أسفارهِم، وغايةً لملقي رحالهم. تهوي إليه ثمار الأفئدة، من مفاوز قفار سحيقة، ومهاوي فجاج عميقة، وجزائر بحار منقطعة، حتي يهزوا مناكبهم ذللاً يُهلَّلُون لله حوله، ويرمُلون علي أقدامهم شعثاً غبراً له، قد نبذوا السرابيل وراء ظهورهم وشوّهوا بإعفاء الشعور محاسن خلقهم. . ابتلاء عظيما، وامتحانا شديداً، واختباراً مبيناً، وتمحيصاً بليغاً، جعله الله سبباً لرحمته ووصلةً إلي جنته.
ولو أراد سبحانه أن يضع بيته الحرام، ومشاعره العظام، بين جنات وأنهارٍ، وسهل وقرارٍ، جمّ الأشجار، داني الثمار، ملتفّ البُني، متصل القري. بين بُرة سمراء وروضة خضراء، وأريافٍ محدقةٍ، وعِراصٍ مغدقة، ورياض ناضرة، وطرق عامرة، لكان قد صغُر قدرُ الجزاءِ علي حسب ضعف البلاء.
ولو كان الاساسُ المحمولُ عليها، والأحجارُ المرفوعُ بها، بين زمرّدةٍ خضراءَ، وياقوته حمراء، ونورٍ وضياء، لخفَّف ذلك مصارعة الشكّ في الصدور، ولَوضعَ، مجاهدةَ إبليس عن القلوب، ولنفي معتلج الريب من الناس. .
ولكنَّ الله يختبر عباده بأنواع الشدائد، ويتعبدهم بأنواع المجاهد، ويبتليهم بضروب المكاره، إخراجاً للتكبر من قلوبهم، وإسكاناً للتذلل في نفوسهم. . وليجعل ذلك أبواباً فُتُحاً إلي فضله، وأسباباً ذلُلاً لعفوه ".
أكمل أحمد قراءة النص والدكتور يستمع بإصغاء، فقال بصوت منخفض وهو يهز رأسه:
- أين كنا عن هذا الفكر، حقاً إن الثقافة الإِسلاميّة مظلومة، كما يقول الشيخ الطبري. . يا أحمد لقد تأكّد لي أن أحدنا لا يكون إنساناً حتي يكون عبداً ذليلاً لله تعالي، متواضعاً للطيبين من عباده، وأن أكبر الأدوات التي يستعملها إبليس لمنعه من ذلك هي ثقافة الغربيين المادية. . ساعدني يا أحمد لكي أخرج التكبر من قلبي وأكون عبداً لله ذليلا، نعم ذليلاً. . برغم إبليس، فقد حاول