120
ولا تكرهوا فتياتكم علي البغاء إن أردن تحصناً (23) .
تنزه العرب عن هذه التجارة التي كانوا عليها في الجاهلية وتجاوز الله عما كان منهم قبل الإِسلام.
يشرف علي هذا الموسم أمراء من العرب وكان روءَساء السوق غالباً إما من كلب وإما من غسان، أي الحيين غلب خضع له الآخر، وكان مكس هذه السوق لمن يشرف عليها.
ويدور نشاط هذه السوق حتي منتصف ربيع الأول وتغص بمن يؤمها من اطراف الشام والعراق وسائر الجزيرة. وهي من الأسواق الكبري للعرب حتي إنهم ليلقون فيها سيرهم نصباً كبيراً لوعورة الطريق والتعرض للأخطار وفقدان الأمن. ولا يحملهم علي ذلك كله إلا ما تغريهم به هذه السوق من ربح وفائدة. ثم تفتر هذه السوق بحركتها وتأخذ بالاضمحلال حتي آخر الشهر، إذ يفترق أهلها وموعدهم إليها في القابل من شهر ربيع الأول (24) .
خامساً: سوق نطاة خيبر
خيبر قرية شمالي المدينة، بينها وبين تبوك. وهي عدة حصون لليهود وفيها مياه ومزارع. ونطاة اسم حصن بها واسم عين أيضاً، وقيل هي خيبر نفسها. وحول القرية نخيل كثير يسقي بعين فيها والبلدة وبئة معروفة في العرب بحمّاها.
أهلها يهود استوطنوا الحجاز منذ القديم واشتغلوا بالزراعة والتجارة (25) .
ونظراً لوقوع هذه القرية علي الطرق التجارية الكبري بين اليمن والشام أسهم أهلها بتجارة الجزيرة، وكانت إحدي محطات القوافل التجارية في سفرها إلي الشام. ونجح أهلها في متاجرهم حتي أفادوا منها غنيً واسعاً واستفاضت لهم ثروات طائلة ونشأت فيهم رؤوس الأموال الضخمة. ولا نعبد إذا قلنا: إن خيبر مصرف الجزيرة المالي. ولما فتحها الرسول (صلّي الله عليه وآله وسلم) صالح أهلها علي الشطر من الثمر والحب. ويذكر أصحاب السيرة غنائم خيبر وما وجدوا فيها من كنوز، فيذكرون أموالاً جمة ودنيا عريضة. بني اليهود فيها حصوناً عديدة جعلوا فيها أموالهم ومسيرتهم من طعام وحب وتمر. وهم في الجملة أهل بأس وشكيمة قاوموا كثيراً قبل أن يفتح المسلمون حصونهم، ثم غلبوا علي أمرهم فافتتح المسلمون حصن ناعم ثم القموص ثم حصن الصعب ابن معاذ وهو اعظم حصونها غناء وأكثرها طعاماً وودكاً، ثم الوطيح، ثم السلالم ثم الشق. وكان في الغنائم ذهب كثير وفضة كثيرة، فجعل الصحابة يتبادلونها حتي نهي الرسول (صلّي الله عليه وآله وسلم) أن يبتاع الذهب بالذهب والفضة بالفضة. وبين تلك الحصون حصن الشق وحصن نطاة وحصن الكتيبة. ولكل حصن خازن يخبئ الأموال لأهله، وكان كنانة بن الربيع عنده كنز بني النضير فلما أسر سئل عنه فانكر فاهتدي الفاتحون إليه فوجدوا أموالاً طائلة.