551و يحتمل عوده إلى التمتع و ربما يرجح بأن ذلك للبعيد و الأخبار الدالة على ما ذكرناه كثيرة كاد أن يبلغ حد التواتر فمنها ما رواه الشيخ عن معاوية بن عمار في الصحيح عن أبي عبد اللّٰه ع جعفر بن محمد عن آبائه ع قال لما فرغ رسول اللّٰه ص من سعيه بين الصّفا و المروة أتاه جبرئيل ع عند فراغه من السعي و هو على المروة فقال إن اللّٰه يأمرك أن تأمر الناس أن يحلوا إلا من ساق الهدي فأقبل رسول اللّٰه ص على الناس بوجهه فقال يا أيها الناس هذا جبرئيل و أشار بيده إلى خلفه يأمرني عن اللّٰه عز و جل أن آمر الناس أن يحلوا إلا من ساق الهدي فأمرهم بما أمر اللّٰه به فقام إليه رجل فقال يا رسول اللّٰه نخرج إلى منى و رءوسنا تقطر من النساء و قال الآخر يأمر بالشيء و يصنع هو غيره فقال يا أيها الناس لو استقبلت من أمري ما استدبرت صنعت كما صنع الناس و لكني سقت الهدي فلا يحل من ساق الهدي حتى يبلغ الهدي محله فقصّر الناس و أحلوا و جعلوها عمرة فقام إليه سراقة بن مالك بن جعشم المدلجي فقال يا رسول اللّٰه هذا الذي أمرتنا به لعامنا هذا أم للأبد فقال بل للأبد إلى يوم القيمة و شبك بين أصابعه و أنزل اللّٰه في ذلك قرآنا فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي فليس لأحد إلا أن يتمتع لأن اللّٰه أنزل ذلك في كتابه و جرت بها السنة من رسول اللّٰه ص و عن الحلبي في الصحيح قال سألت أبا عبد اللّٰه ع عن الحج فقال تمتع ثم قال إنا إذا وقفنا بين يدي اللّٰه تعالى قلنا يا ربّنا أخذنا بكتابك و سنة نبيك و قال الناس رأينا رأينا و يفعل اللّٰه بنا و بهم ما أراد و ما رواه الكليني عن عبد اللّٰه يعني الحلبي قال سأل رجل أبا عبد اللّٰه ع و أنا حاضر فقال إني اعتمرت في المحرم و قدمت الآن متمتعا سمعت أبا عبد اللّٰه ع يقول نعم ما صنعت إنا لا نعدل بكتاب اللّٰه عز و جل و سنة رسول اللّٰه ص فإنا إذا بعثنا ربنا أوردنا على ربنا قلنا يا رب أخذنا بكتابك و سنة نبيّك و قال الناس رأينا رأينا فيصنع اللّٰه بنا و بهم ما شاء و عن الحلبي بإسنادين أحدهما صحيح و الآخر حسن عن أبي عبد اللّٰه ع قال إن رسول اللّٰه ص حين حج حجة الإسلام خرج في أربع بقين من ذي القعدة حتى أتى الشجرة فصلى بها ثم قاد راحلته حتى أتى البيداء فأحرم منها و أهل بالحج و ساق مائة بدنة و أحرم الناس كلهم بالحج لا ينوون عمرة و لا يدرون ما المتعة حتى إذا قدم رسول اللّٰه ص مكة طاف بالبيت و طاف الناس معه ثم صلى ركعتين عند المقام و استلم الحجر ثم قال أبدأ بما بدأ اللّٰه عز و جل به فأتى الصفا فبدأ بها ثم طاف بين الصّفا و المروة سبعا فلما قضى طوافه عند المروة قام خطيبا فأمرهم أن يحلوا و يجعلوها عمرة و هو شيء أمر اللّٰه عز و جل به فأحل الناس و قال رسول اللّٰه ص لو كنت استقبلت من أمري ما استدبرت لفعلت كما أمرتكم و لم يكن يستطيع أن يحل من أجل الهدي الذي معه إن اللّٰه تعالى يقول وَ لاٰ تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّٰى يَبْلُغَ اَلْهَدْيُ مَحِلَّهُ فقال سراقة بن مالك بن جعشم الكناني يا رسول اللّٰه علمنا كأنا خلقنا اليوم أ رأيت هذا الذي أمرتنا به لعامنا هذا أو لكل عام فقال رسول اللّٰه ص لا بل للأبد و إن رجلا قام فقال يا رسول اللّٰه نخرج حجاجا و رءوسنا تقطر فقال رسول اللّٰه ص إنك لن تؤمن بها أبدا قال و أقبل علي ع من اليمن حتى وافى الحج فوجد فاطمة ع قد أحلت و وجد ريح الطيب فانطلق إلى رسول اللّٰه ص مستفتيا فقال رسول اللّٰه ص يا عليّ بأيّ شيء أهللت فقال أهللت بما أهل به النّبي ص فقال لا تحل أنت فأشركه في الهدي و جعل له سبعا و ثلاثين و نحر رسول اللّٰه ص ثلاثا و ستين نحرها بيده ثم أخذ من كل بدنة بضعة فجعلها في قدر واحد ثم أمر به فطبخ فأكل منه و حسيا من المرق و قال قد أكلنا منها الآن جميعا و المتعة خير من القارن السائق و خير من الحاج المفرد قال و سألته أ ليلا أحرم رسول اللّٰه ص أم نهارا فقال نهارا قلت أيّ ساعة قال صلاة الظهر و الأخبار في هذا الباب كثيرة و فيما ذكرناه كفاية و إذا عرفت هذا فاعلم أن أصحابنا اختلفوا في حدّ البعد المقتضي لتعين التمتع على قولين أحدهما أنه اثنا عشر ميلا فما زاد عن مكة من كل جانب ذهب إليه الشيخ في المبسوط و ابن إدريس و المحقق في الشرائع و اختاره المصنف و من أصحاب هذا القول من اعتبر هذا التقدير بالنسبة إلى مكة و منهم من اعتبر بالنسبة إلى المسجد الحرام و ثانيهما أنه ثمانية و أربعون ميلا فما زاد عن مكة من كل جانب ذهب إليه أكثر الأصحاب منهم ابنا بابويه و الشيخ في التهذيب و النهاية و المحقق في المعتبر و جعل المحقق فيه القول الأول نادرا لا عبرة به و هو قول للمصنف و اختاره في الدروس و هو أقرب لنا ما رواه الشيخ عن زرارة في الصحيح عن أبي جعفر ع قال قلت لأبي جعفر ع قول اللّٰه عز و جل في كتابه ذٰلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حٰاضِرِي اَلْمَسْجِدِ اَلْحَرٰامِ فقال يعني أهل مكة ليس عليهم متعة كل من كان أهله دون ثمانية و أربعين ميلا ذات عرق و عسفان كما يدور حول مكة فهو ممن دخل في هذه الآية و كل من كان أهله وراء ذلك فعليه المتعة و عن زرارة أيضا بإسناد غير نقي عن أبي جعفر ع قال سألته عن قول اللّٰه تعالى ذٰلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حٰاضِرِي اَلْمَسْجِدِ اَلْحَرٰامِ قال ذلك أهل مكة ليس لهم متعة و لا عليهم عمرة قال قلت فما حد ذلك قال ثمانية و أربعون ميلا عن جميع نواحي مكة دون عسفان و دون ذات عرق و الكليني عن عبد اللّٰه الحلبي و سليمان بن خالد و أبي بصير في الصحيح عن أبي عبد اللّٰه ع قال ليس لأهل مكة و لأهل مر و لأهل سرف متعة و ذلك لقول اللّٰه عز و جل لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حٰاضِرِي اَلْمَسْجِدِ اَلْحَرٰامِ و روى الشيخ عن سعيد الأعرج قال قال أبو عبد اللّٰه ع ليس لأهل سوف و لا لأهل مر و لا لأهل مكة متعة لقول اللّٰه تعالى ذٰلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حٰاضِرِي اَلْمَسْجِدِ اَلْحَرٰامِ قال في المعتبر و التذكرة و معلوم أن هذه المواضع أكثر من اثني عشر ميلا و في القاموس أن بطن مر موضع من مكة على مرحلة و سرف ككتف موضع قرب التنعيم و روى الكليني عن أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه ع قال قلت لأهل مكة متعة قال لا و لا لأهل بستان و لا لأهل ذات عرق و لا لأهل عسفان و نحوها و روى الشيخ عن حماد بن عثمان في الصحيح عن أبي عبد اللّٰه ع في حاضري المسجد الحرام قال ما دون الأوقات إلى مكة و عن الحلبي بإسناد لا يبعد أن يعد صحيحا عن أبي عبد اللّٰه ع في حاضري المسجد الحرام قال ما دون المواقيت إلى مكة فهو حاضري المسجد الحرام و ليس لهم متعة و الجمع بين هذين الخبرين و بين ما تقدم عليهما إما بحمل الإطلاق الواقع فيهما على التقييد لعدم الزيادة على ثمانية و أربعين ميلا و حينئذ الخبران يؤكدان القول الذي قربناه ففي التذكرة أن أقرب المواقيت ذات عرق و هي مرحلتان من مكة و قال في موضع آخر إن قرن المنازل و يلملم و العقيق على مسافة واحدة بينهما و بين مكة ليلتان قاصدتان و يحتمل الحمل على التقية لموافقته للمحكي عن أبي حنيفة و أما القول الأول فلم نقف على حجة دالة عليه و قد صرح بذلك المحقق و الشهيد و في المختلف و كأن الشيخ نظر إلى توزيع الثمانية و الأربعين من أربع جوانب و كان قسط كل جانب ما ذكرناه و هو توجيه ضعيف و أما ما رواه الكليني عن حريز في الحسن بإبراهيم عن أبي عبد اللّٰه ع في قول اللّٰه عز و جل ذٰلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حٰاضِرِي اَلْمَسْجِدِ اَلْحَرٰامِ قال من كان منزله على ثمانية عشر ميلا من بين يديها و ثمانية عشر ميلا خلفها و ثمانية عشر ميلا عن يمينها و ثمانية عشر ميلا عن يسارها فلا متعة له مثل مر و أشباهها فيمكن الجمع بينه و بين صحيحة زرارة بالحمل على أن من بعد ثمانية عشر ميلا فهو مخير بين الإفراد و التمتع بخلاف من بعد بالثمانية و الأربعين فإنه يتعيّن عليه التمتع
و الباقيان
يعني الإفراد و القران
فرض أهل مكة و حاضريها
و المراد بهم عند المصنف من لم يبعد عن مكة باثني عشر ميلا و قد مر الخلاف في ذلك و أن الأقرب اعتبار التقدير بالثمانية و الأربعين و يدل على تعين غير التمتع على الحاضرين مضافا إلى ما مر ذكره ما رواه الشيخ عن علي بن جعفر في الصحيح قال قلت لأخي موسى بن جعفر لأهل مكة أن يتمتعوا بالعمرة إلى الحج فقال لا يصلح أن يتمتعوا لقول اللّٰه عز و جل ذٰلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حٰاضِرِي اَلْمَسْجِدِ اَلْحَرٰامِ
و لو عدل كل منهم
إلى فرض الآخر اضطرارا جاز لا اختيارا
تنقيح هذا المقام يتم ببيان أمور الأول لا يجوز للمتمتع العدول إلى الإفراد و القران اختيارا من غير ضرورة بلا خلاف في ذلك بين الأصحاب و نقل اتفاقهم على ذلك الفاضلان و للحجة عليه أنه قد ثبت أن فرضه التمتع فلو عدل إلى غيره لم يكن آتيا بالمأمور به فلا يجزيه الثاني يجوز له العدول إلى القران أو الإفراد عند الاضطرار كضيق الوقت عن الإتيان بأفعال العمرة فلو دخل بعمرته إلى مكة و خشي ضيق الوقت جاز له نقل النية إلى الإفراد و كان عليه عمرة مفردة و لا أعلم في ذلك خلافا بين الأصحاب إنما الخلاف في حد الضيق فقال المفيد في المقنعة من دخل مكّة يوم التروية و طاف بالبيت و سعى بين الصّفا و المروة فأدرك ذلك قبل مغيب الشمس أدرك المتعة فإذا غابت الشمس قبل أن يفعل ذلك فلا متعة له فليتم على إحرامه و يجعلها حجة مفردة و عن علي بن بابويه تفوت المتعة المرأة إذا لم تطهر حتى تزول الشمس يوم التروية و هو منقول عن المفيد أيضا و عن الصدوق في المقنع فإن قدم المتمتع يوم التروية فله أن يتمتع ما بينه و بين الليل فإن قدم ليلة عرفة فليس له أن يجعلها متعة بل يجعلها حجة مفردة فإن دخل المتمتع مكّة فنسي أن يطوف بالبيت فعليه أن يطوف بالبيت و بالصفا و المروة حتى كان ليلة عرفة فقد بطلت متعته يجعلها حجة مفردة و قال الشيخ في النهاية فإن دخل مكة يوم عرفة جاز له أن يتحلل ما بينه و بين زوال الشمس فإذا زالت الشمس فقد فاتته العمرة و كانت حجته مفردة و هو المحكي عن ابن الجنيد و ابن حمزة و ابن البراج و عن الحلبي وقت طواف العمرة إلى غروب شمس التروية للمختار و للمضطر إلى أن يبقى ما يدرك عرفة في آخر وقتها و عن ابن إدريس تبقى المتعة ما لم تفت اضطراري عرفة و استقرب المصنف في المختلف اعتبار اختياري عرفة و قواه الشهيد في الدروس و الأخبار في هذا الباب مختلفة فبعضها