44هذا كلامهما، ونحن نقول: ليس هنا من يكفر الصحابة، بل الموجود هو دراسة حياة الصحابة بعد رحلة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله، وهو أمر درج عليه السلف من أصحاب السيرة والتاريخ والرجال كدراسة حال التابعين لهم، وأخذ الدين عنهم لا يصدّنا عن تلك الدراسة العلمية بل يدفعنا إلى أخذها من أُناس صادقين عادلين، فمن زعم أنّ دراسة حياة الصحابي يورث الضعف في الدين أو يوجب الخلل في الإسلام، فقد أتى بكلام غير مقبول ولا معقول، وهؤلاء هم علماء الرجال قد ألّفوا موسوعات في أحوال رجال الحديث مبتدئين من التابعين، ونحن نعطف الصحابة على التابعين أيضاً، ونكيل لكلّ من قال الحق وعمل به المدح العظيم والثناء الجميل.
هذا هو حدّ الإيمان والكفر وحدّ الشرك والبدعة، قد وقفت عليها عن كثب، وأنّ فِرَق الإسلام عامّة (غير الغلاة والنواصب) كلّهم داخلون في حظيرة الإسلام، فيجب أن تُحقَن دماؤهم وتُصان أموالهم وأعراضهم وكل ما يمتّ إليهم بصلة، وأنّ مَن يقوم بتكفير أُمّة أو أُمم من المسلمين فإنّما يصدر عن عصبية وعناد، أو عن غرض خبيث يخدم به قوى الكفر والاستبداد والاستكبار. والله سبحانه هو الهادي إلى الطريق الحقّ.
بيان واقتراح
وبعد هذه الجولة العلمية الخاطفة لمناقشة بعض أُسس ومبررات الاتجاهات التكفيرية، لابُدّ لنا أن نعيد التأكيد على ما تمثله هذه الاتجاهات من خطورة بالغة على مستقبل الإسلام والأُمّة.
فالتكفير اليوم لم يعد مجرد فتوى أو رأي نظري، وليس اتجاهاً لمجموعة محدودة كما كان في العهود السابقة، بل تحوّل إلى تيار فاعل يستقطب الاتباع في بلدان ومجتمعات كثيرة، ويخرّج أجيالاً من أبناء الأُمّة تحمل فكر التطرّف والتشدّد، وتتجه لممارسة العنف والإرهاب، ورأينا ضمن اتباع هذا التيار التكفيري بعض من اعتنقوا الإسلام حديثاً من الشباب الغربيين، والذين قتل بعضهم في معارك الصراع والفتن في مناطق عديدة.
كما أصبح لهذا التيار التكفيري وسائل إعلام متطورة ضمن عالم التواصل الاجتماعي الحديث، ولهم معسكراتهم وقدراتهم الحربية الهائلة، وشبكاتهم التنظيمية الواسعة، وإمكاناتهم المالية الكبيرة.
وكلّ ذلك يدلّ على أنّ قوًى عالمية كبرى تدعمهم لخدمة أغراضها ومخططاتها ضدّ الإسلام والمسلمين، وواضح أنّ بعض الدول والقوى الاقليمية تستفيد منهم في صراعاتها ضدّ الأنظمة والجهات المنافسة لها، فتدعمهم، ممّا يمنحهم فرص التجديد والتطوير لقدراتهم وفاعليتهم المرعبة.