23
وثانياً: نفترض أنّها راجعة إلى حياة النبي صلى الله عليه وآله، لكن الكلام في مجال آخر وهو أنّ دعاء الصالحين - بما أنّهم عباد الله المكرمون - لو كان عبادة لهم لكان كذلك عند حياتهم أيضاً فإنّ الحياة والموت ليستا ميزاناً للتوحيد والشرك، ولو فرض كونهما ميزاناً لكانا ميزاناً في الانتفاع وعدمه فيكون دعاء الحيّ مجدياً، ودعاء الميّت غير مجد، وأين هذا من الشرك؟
ومن هنا يعلم أنّ ما قاله ابن جبرين في وصف الشيعة الإمامية، نابع عن جهله بمفهوم العبادة، حيث قال: إنّ الرافضة غالباً مشركون حيث يدعون عليّ بن أبي طالب دائماً في الشدّة والرخاء حتّى في عرفات والطواف والسعي، ويدعون أبناءه وأئمتهم كما سمعناهم مراراً، وهذا شرك أكبر وردّة عن الإسلام يستحقّون القتل عليها كما سمعناهم في عرفات، وهم بذلك مرتدّون حيث جعلوه ربّاً وخالقاً ومتصرّفاً في الكون.
أقول: كلّ ما ذكره من القيود ناظر إلى الصورة الأُولى ولا تجد أحداً من المسلمين (فضلاً عن الشيعة الذين يوحِّدون الله تعالى بأفضل صور التوحيد) مَن يعتقد أنّ علي بن أبي طالب ربٌ أو خالق أو متصرّف في الكون.
كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِبًا .
وبمثل هذه الفتاوى الباطلة المبنية على شفا جرف هار، يبيح الشيخ ابن جبرين وغيره من شيوخ الوهابيّة، القتل الجماعي لأُمّة مسلمة موحِّدة يتجاوز عددها المائتي مليون، ويعدّون ثلث المسلمين أو ربعهم.
إنّ الصخب والضوضاء والصراخ الذي يُسمع من أئمة المسجد النبوي أو في المسجد الحرام وأطرافهما، وهم يكِّفرون بملء أفواهم المسلمين عامّة والشيعة خاصّة، ناشئ من الجهل بمفاد الشرك في العبادة، حيث زعموا أنّ الخضوع أمام ضريح النبي الأكرم عبادة للنبي صلى الله عليه وآله، ولكنّ هؤلاء ذوي العقول الجامدة لم يفرّقوا بين عبادة النبي وبين تكريم النبي صلى الله عليه وآله، الّذي أمر الله تعالى المسلمين به، بقوله: فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ