19لاشكّ أنّ التوحيد في العبادة من مراتب التوحيد، فالإنسان الموحِّد من يوحِّد الله سبحانه ذاتاً وأنّه واحد لا نظير له، وخلقاً وأنّه لا خالق إلاّ هو، وتدبيراً وأنّه لا مدبّر إلاّ هو، وعبادة وأنّه لامعبود سواه، فمن لم يوحّد الله في شيء من هذه المراتب فليس بموحِّد فضلاً عن أن يكون مسلماً أو مؤمناً، وقد بلغ التوحيد في العبادة منزلة كبيرة بحيث صار العلّة الغائية لبعث الأنبياء، قال سبحانه: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّة رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ .
وقال سبحانه: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُول إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ .
وعلى هذا فلا نزاع في الكبرى، وأنّ العبادة تختصّ بالله سبحانه، أخذاً بقوله سبحانه: إِيَّاكَ نَعْبُدُ ، إنّما الكلام في تحديدها تحديداً منطقياً يكون جامعاً للأفراد ومانعاً للأغيار، وممّا يؤسف له أنّ القوم لم يحدّدوها بحدّ تتميّز به العبادة عن غيرها، وإليك التعاريف الواردة في كتب اللغة والتفسير:
كلمات اللغويين:
إنّ أئمة اللغة العربية فسّروا العبادة بما يلي:
1. العبادة: أصل العبودية الخضوع والتذلّل.
2. العبودية إظهار التذلّل، والعبادة أبلغ منها لأنّها غاية التذلّل.
3. العبادة: الطاعة.
فلو رجعت إلى سائر القواميس، تجد تعابير مشابهة.
ولا يخفى أنّه لو كانت العبادة هي الخضوع لعمّ البلاء جميع البشر، حيث إنّه يخضع بعضهم لبعض، كالولد أمام الوالدين، والجندي أمام الضابط، والتلميذ أمام الأُستاذ، وعلى هذا فلا يوجد على أديم الأرض موحّد، حتّى الوهابيّ نفسه.