268يحكمون بإبطال المطالبة ببعض الدماء، باعتبارها لا تستوجب دفع الدية، ويقال لذلك (الشرخ) . والمثال على ذلك: الحكم الذي أصدره (يعمر بن عوف) بين قصي وخزاعة، فحكم بأن كلّ دم أصابه قصي من خزاعة موضوع، يشدخه قصي تحت قدميه، فسمي يعمر لذلك باسم (يعمر الشداخ) 1.
وحقيقة إنّ العصبية والثأر قد أدّيا الىٰ مناسبات كثيرة من الصراع بين قبائل شبه الجزيرة في العصر السابق للإسلام، وكان هذا الصراع يصل في بعض الأحيان الىٰ فترات من العداء الصريح الذي يستمر عقوداً بأكملها بين توتر أو مناوشات أو غارات كثيفة متبادلة حفظ التراث العربي لنا عدداً من مواقعها وهي التي تسمى أيام العرب 2.
ولكن من الجانب الآخر فإن كلاًّ من هذين العاملين كان أمراً حيوياً بالنسبة للقبيلة حتى لا يذوب كيانها في مجال العلاقات بين القبائل في ظلّ الظروف القاسية، التي سادت مجتمع البادية في شبه الجزيرة. فالعصبية التي تنتج عن تصور حقيقي أو مفترض لرابطة القرابة أو الدم كانت وسيلة التكتل الأساسية بين أفراد القبيلة في غياب أية وسائل أخرى ثابتة لإشاعة هذا التكتل. وهي وسيلة تجمع بين هؤلاء الأفراد بغض النظر عن الاعتبارات الأخرى المطروحة مثل اعتبارات الحق والباطل أو الظلم والعدل، بحيث يصبح هذا التكتل هو القيمة الأولى في حياة القبيلة، التي كثيراً ما كان يدفعها السعي وراء الكلإ الى التنقل، وهو ظرف قد يؤدي الى التشتت ومن ثم الاندثار كوحدة اجتماعية، أو الى التصارع مع قبائل أخرى في سبيل الحصول على هذا الكلإ أو على عين ماء إذا أدخلنا في اعتبارنا قلة الماء في شبه الجزيرة الىٰ درجة الندرة في بعض الأحيان.
والجدير بالذكر أن العصبية والثأر هما صنوان متلازمان وأمران طبيعيان في الصحراء، حيث لا قوة أو دولة تحمي الفرد إذا ضعف، أو تنتقم له إذا اعتدى عليه أحد، اللهم إلّاعشيرته أو قبيلته. ولذا فرضت تقاليد البادية أن يثأر الفرد لنفسه