37
الفرع الأول: التوثيقات العامّة للنواصب بالمباشرة والتصريح
بعدما تبيّن أنَّ توثيق النواصب يعدّ مناقضةً صريحة لأهمّ مبنى من مبانيهم في التوثيق والتضعيف، وهو اشتراط العدالة، سنورد هنا نَصَّين من أشهر ما قيل في توثيق النواصب، مع ذكر ما يعارضه من أقوال على وفق مبانيهم، فهاهما النصّان مع ما عليهما من تعليق:
1- ما ذكره غير واحد من رجاليي الجمهور منسوباً إلى أبي داود صاحب السنن، قوله: «ليس في أهل الأهواء أصحّ حديثاً من الخوارج، ثُمَّ ذكر عمران بن حطان وأبا حسّان الأعرج». 1
وواضح أنَّ هذا يُعدّ توثيقاً عامّاً لهذه الفرقة التي تعدّ من أوضح مصاديق النواصب. 2
ولا يقال: إنّ (أصحّ) هنا على وزن أفعل، فهي صفة تفضيل، بمعنى أنّ الخوارج، مقايسة بأهل الأهواء، يكون حديثهم أصح وأعلى مرتبة، وهو لا يعدّ توثيقاً لهم.
فجوابه: إنَّ رجاليي الجمهور لم يفهموا هذا من كلام أبي داود، بل فهموا منه التوثيق؛ لذا جعله (العراقي) ردّاً على مَن زعم أنَّ البخاري ومسلم احتجَّا بأهل الأهواء تارة، وأهل الأهواء الدعاة إلى مذهبهم تارة أخرى.
قال المناوي، بعد إيراد اعتراض على الشيخين بأنَّهما احتجّا في الصحيحين برواةٍ دعاةٍ لمذهبهم، قال: «ثُمَّ أجاب [أي الحافظ العراقي] بأنَّ أبا داود قال: ليس في أهل الأهواء أصحّ حديثاً من الخوارج». 3
وهذا هو فهم ابن حجر أيضاً لعبارة أبي داود؛ لذا نراه يقيِّد إطلاقه بقوله: «أمّا قول أبي داود: ليس في أهل الأهواء... فليس على إطلاقه». 4