36
هنا أبحاث: الأوّل: أنَّهم أخذوا في رسم الصحيح والحسن عدالة الراوي، كما سبق للحافظ في النُخبة [يعني الحافظ ابن حجر العسقلاني في كتاب نخبة الفكر] ومثله في كتب صاحب العواصم [يعني محمد بن عبدالله أبو بكر بن العربي]، وفي جميع كتب أصول الحديث، وفسَّرَ الحافظ [يعني ابن حجر] العدالة بأنَّها مَلَكَة تحمل على ملازمة التقوى والمروءة، وفسّر التقوى بأنَّها اجتناب الأعمال السيئة، من شركٍ وفسق أو بدعة، فأفاد أنَّ العدالة شرط للراوي، وقد عرفت أنَّ ترك البدعة من ماهية العدالة، فالعدل لا يكون عدلاً إلاَّ باجتناب البدعة بأنواعها، ولا يخفى أنَّه هذا يناقض ما قرَّره الحافظ، من القول بقبول المبتدع، مناقضة ظاهرة. 1
إذن، فاللازم إمّا أن يتخلّوا عمّا أجمعوا عليه - أعني شرطية العدالة - أو أن يرفعوا اليد عن توثيق الناصبي، وكلا الأمرين لم يعملوا بهما.
المبحث الثانى: كيف وثَّقوا النواصب؟
إنَّ النظرة الإجمالية في كتب الرجال عند الجمهور، تظهر لنا أنَّ أهل الفن وخبراءه فيهم يوثّقون النواصب، تارة بالتوثيقات العامة الكلية، وتارة بالتوثيقات الخاصة لأفراد النواصب وآحادهم.
وسنتعرض لكلا القسمين ما أمكن، ومن الله تعالى نستمدّ العون.
القسم الأوّل: التوثيقات العامّة للنواصب
إنَّ المتتبع للكتب الرجالية وقواعد الدراية عند الجمهور، لا يجد كثيراً من العناء في رصد أقوال وعبائر تدلّ صراحة، ومن دون لبس، على توثيق مَن وُصموا بالنصب، وهذا التوثيق العام يلاحظ تارة بصورة مباشرة وبالتصريح، وتارة أخرى يلاحظ بالملازمة والتلويح، وسنورد هاهنا نبذاً من أشهر ما قيل في كلا الفرعين.