29للحبّ، وكما أنَّ للحبّ مظاهر وصور يتمظهر بها خارجاً، فكذا ما يقابل الحبّ - أعني البغض - فإنَّ له مظاهر وصور يتمظهر بها خارجاًَ، وتلك المظاهر والصور تكون هي المبرزة لذلك البغض.
فالبغض يظهر إلى الخارج بفعلٍ تارةً، وبقول اخرى. أمّا الفعل، فتارة يكون بحمل السلاح على المبغوض، أو التحريض على إيقاع الأذى به، أو... إلى غير ذلك من الأفعال التي تدلّ دلالة مباشرة أو بالتبع على البغض.
وأمّا القول، فتارة يكون بالتصريح مباشرة بالبغض، وتارة يكون بالدلالة الالتزامية لذلك، كإخفاء محاسن أو فضائل المبغوض، وإهالة التراب عليها بداعي البغض لا بداعٍ آخر؛ فإخفاء الفضائل خوفاً لا يقال له بغضٌ.
كما أنَّ السبَّ والشتم من أبرز مظاهر البغض القولي الصريح كما لا يخفى. قال العسقلاني في ترجمته لربيعة بن يزيد السلمي: «... فكان من النواصب، يشتم علياً» 1، وقال الجزري صاحب (اللباب) في ترجمته لحريز بن عثمان الرحبي:
«... وكان ناصبياً يبغض علياً ويسبّه كل يوم سبعين مرة بكرة، وسبعين عشاءً» 2، وقال العقيلي في ترجمة حريز بن عثمان أيضاً:
حدَّثنا محمّد بن أيوب بن يحيى بن ضريس، وقال: ذكر جرير أنَّ حريز كان يشتم علياً على المنابر. حدَّثنا محمد بن إسماعيل [يعني البخاري]، قال: حدثنا الحسن بن علي الحلواني، قال: حدثنا عمران بن أبان، قال: سمعت حريز بن عثمان يقول: لاأحبَّه، قتل آبائي، قتل آبائي، يعني علياً. 3
فما تقدَّم من شواهد وأمثالها تؤكّد أنَّ السبَّ أو الشتم يعدّان من أوضح مصاديق البغض والنصب، وهذا ممّا لا يحتاج إلى كثير بيان وتوقف.
وهكذا فإنَّ بغض علي عليه السلام وأهل بيته بأيّ مظهر ظهر يكفي في تحقّق النصب حينئذٍ، وهذا ممّا لا ريب فيه.