19فيدرك أنّ هناك حقيقة باقية ثابتة رغم تغيير كلّ هذه الأحوال والأوضاع وتصرّم الأزمنة وانقضاء الأوقات، فقد تغير كل شيء خلال سبعين سنة ولكن هناك أمر باق لم يتغير ولم يتبدل وهو الذي يحمل تلك الصفات والأحوال، فالمتغير غير الثابت، والتغير آية المادية، والثبات آية التجرّد عن أحكام المادة.
بل نرىٰ أنه ينسب إلى نفسه الفعل الذي قام به قبل خمسين سنة ويقول: «أنا الذي كتبت هذا الخط يوم كنت طفلاً» وهذا يعرب عن أنّه يدرك بوجدانه هو الذي كتب ذلك الخط سابقاً، فلو لم يكن هناك شيء ثابت إلى زمان نطقه بهذا الكلام لزم كذب القضية وعدم صّحتها، وذلك لأنّه لو كان الإنسان خلاصة الأجزاء المادية الظاهرة فالمفروض أنّها زالت وحدثت بعدها شخصيات جسمانية متعددة، فأين الإنسان أيام صباه، منه أيام شيخوخته، وقد تحوّلت وتبدّلت عظامه وعروقه وأعصابه في دوامة التغيّرات وتحلّل منه كلّ شيء وتخلّفت عنه أشياء أُخر، مثلها شكلاً وغيرها حقيقة.
فعملية التغيّر في جسمه مستمرة فما زالت الخلايا تتلف وتُستعاض بأُخر، ولكن الإنسان يرىٰ نفسه ثابتاً في مهب تلك التحوّلات، فكأنَّ هناك أمراً ثابتاً طيلة سبعين عاماً يحمل تلك التحولات، فهو يشعر في جميع مراحل حياته أنه هو الإنسان السابق الذي وجد منذ عشرات السنين.
نفترض أنّ إنسانا جنىٰ وله من العمر عشرون عاما، ولم يقع في قبضة السلطات إلى أن ألقت القبض عليه وله من العمر ستون عاماً، فعند ذلك يقف في قفص الاتّهام ليُحاكم علىٰ جرمه، فإذا به محكوم بالإعدام