233الوقوف مثل عرفة.
قلنا: لا يمتنع أن نقول بوجوب الذكر بظاهر هذه الآية، و بعد فإن الآية تقتضي وجوب الكون في المكان المخصوص و الذكر جميعا، و إذا دل الدليل على أن الذكر مستحب غير واجب أخرجناه من الظاهر و بقي الآخر يتناوله الظاهر، و تقدير الكلام: فإذا أفضتم من عرفات فكونوا بالمشعر الحرام و اذكروا الله فيه.
فإن قيل: الكون في المكان يتبع الذكر في وجوب أو استحباب، لأنه إنما يراد له و من أجله، فإذا ثبت أن الذكر مستحب فكذلك الكون.
قلنا: لا نسلم أن الكون في ذلك المكان تابع للذكر، لأن الكون عبادة منفردة عن الذكر و الذكر عبادة أخرى، فإحداهما لا تتبع الأخرى، كما لم يتبع الذكر لله تعالى في عرفات الكون في ذلك المكان و الوقوف به، لأن الذكر مستحب و الوقوف بعرفات واجب بلا خلاف.
على أن الذكر إن لم يكن واجبا فشكر الله تعالى على نعمه واجب على كل حال، و قد أمر جل و عز بأن نشكره عند المشعر، فيجب أن يكون الكون بالمشعر واجبا، كما أن الفعل الذي أمرنا بإيقاعه عنده واجب.
فإن قيل: ما أنكرتم من أن يكون المشعر ليس بمحل للشكر و إن كان محلا للذكر، و إن عطف الشكر على الذكر.
قلنا: الظاهر بخلاف ذلك، لأن عطف الشكر على الذكر يقتضي تساوي حكمهما في المحل و غيره، و جرى ذلك مجرى قول القائل: اضرب زيدا في الدار و قيده في أن الدار محل للفعلين معا.