12وذلك أنّ السالك في هذا السفر الثاني نظراً لكون المبدأ والمنتهى فيه واحداً، وهو الحقّ تعالى، وأنّ الحق تعالى غير متناه، فلازم كلّ ذلك أن يكون سيره غير متناه أيضاً. وحيث إنّ السفر فيه غير متناه، فإنّ الزاد مهما عظم فيه فهو قليل، وإنّ المقصد مهما حثّ السالك نحوه الخطى فهو بعيد.
ولعلّ أعظم من ترجم لنا ذلك السفر، هو أميرالمؤمنين علي بن أبيطالب عليه السلام ، حيث يقول فيه: «
آه من قلّة الزاد، وطول الطريق، وبعد السفر » 1.
وهنا يقول جملة من المحققين:
إنّ آهات سيّد الموحّدين عليه السلام إنّما كانت للسفر الثاني؛ لعلمه بأنّه سفر لا نهاية له، وأنّ كلّ سالك يأخذ منه بحسبه وقدره، وحيث إنّ السير غير متناه في السفر الثاني، وإنّ السالك يأخذ منه بحسب وعائه، فإنّه سوف يكون الرجوع إلى هذا السفر مرّة أخرى ممكناً فيما إذا انتقل إلى السفر الثالث أو الرابع. 2
وعلى هدى هذه الحقيقة، تتضح لنا حقيقة أخرى، وهي: أنّ اختلاف مقامات الأولياء، كأولي العزم والأنبياء والأوصياء وغيرهم، إنّما تكمن وتكون في هذا السفر؛ وذلك لاختلاف الوعاء الوجودي، والقدرة على التخلّق بالأسماء والصفات الإلهيّة غير المتناهية؛ ولذا بقدر سيره وهمّته السالك في هذا السفر، وحجم وعائه وجهاده،