13يكون مقامه، وكلّما كان السعي حثيثاً والجهاد عظيماً، انفتحت أمامه آفاق وسبل وَ الَّذِينَ جٰاهَدُوا فِينٰا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنٰا وَ إِنَّ اللّٰهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (العنكبوت: 69) فهنالك من يقصر سفره على مقدار معيّن بحسب همّته ووعائه، وإذا جاز التعبير: إنّه يكتفي برحلة يوم، ثمّ يشرع في السفر الثالث، وآخر يمضي أياماً وأياماً فيغترف ما أمكنه اغترافه، وبذلك يتحدد مقامه ودائرة وجوده.
وبهذا يتضح لنا جليّاً في اختلافات مقامات العارفين، فإنّ مردّه إلى ما بذله وأخذه في السفر الثاني. 1
وهنا تتبلور حقيقة معرفيّة أخرى، وهي: أنّ هناك تفاوتاً بين الكمَّل أنفسهم؛ وذلك نتيجة الاقتراب من المبدأ المفيض من خلال الاختزان الأكثر والتلبّس بالأسماء والصفات الإلهيّة، حيث نجد أنّ النبيّ الخاتم محمّد (ص) ، وكذا الإمام علياً عليه السلام والصدّيقة الزهراء عليهما السلام والأئمة المعصومين عليهم السلام ، هم الواصلون إلى ذرى الكمالات المتحققون بالأسماء والصفات، والفانون في ذات الله وأسمائه وصفاته وأفعاله، والباقون ببقائه تعالى، أي: هم الكمّل على الإطلاق في صراط التكامل والوصول إلى الله تعالى؛ ولذا لا يتعدّاهم أحد ولا يساويهم، بل الكلّ حتّى من أنبياء أولي العزم، فضلاً عن غيرهم يطلبون اللحوق بهم، والسير على منهجهم.
كما نجد ذلك في طلب شيخ التوحيد وأبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام في قوله تعالى: وَ أَلْحِقْنِي بِالصّٰالِحِينَ (الشعراء: 83) أي: بمحمّد وآله الطاهرين عليهم السلام ، كما ورد ذلك في رواياتنا، كالذي ورد في الرواية