20علىٰ ما جبت يداه بقتله أُناساً أبرياء، فلا القاضي ولا الحاضرون في جلسة المحكمة يرون الحكم الصادر بحقّه جائراً، بل يراه الجميع أنّه وفق العدالة.
ولو كان الإنسان عبارة عن جسم مادي، فقد تغيرت خلاياه مرات عديدة طيلة تلك الأعوام، لكنّ الحاضرين والقاضي وكل سامع، يرىٰ أنّه نفس ذلك الإنسان الجاني، فما هذا إلّا لأنّ هناك حقيقة ثابتة في دوّامة المتغيّرات ،لم يطر أعليها أيّ تغيير ،بل بقيت محفوظة مع كل هذه التبدلات، وإذا كان التغيّر من صفات المادة، والثبات والدوام من صفات الموجود غيرالمادّي، نكتشف منذلك أنّ واقع الإنسان غيرمادّي وثابت في جميع الحالات، وهذا ما نعبرّ عنه بالروح المجرّدة، أو النفس المجردة.
وأخيراً نقول: إنّ هذا البرهان غير البرهان السابق، فمنطلق الأول هو وجود الموضوع لجميع المحمولات، ومنطلق البرهان الثاني هو ثبات الموضوع في دوّامة التحوّلات والتغيرات الطارئة علىٰ البدن.
وفي النهاية نقول: وقد لخص الرازي هذا البرهان في تفسيره وقال: إنّ أجزاء هذا الهيكل أبداً في النموّ والذبول، والزيادة والنقصان والاستكمال والذوبان، ولا شكَّ أنّ الإنسان من حيث هو هو أمر باق من أوّل عمره، والباقي غير ما هو غير باق، والمشار إليه عند كل أحد بقوله «أنا» وجب أن يكون مغايراً لهذا الهيكل 1.
ج - علم الإنسان بنفسه مع غفلته عن بدنه:
ترىٰ الإنسان يغفل في ظروف خاصة عن كل شيء حتىٰ عن بدنه