17أدلّتهم للقارئ الكريم للبحث عنها في مظانّها، ولكن قبل أن ندرس قضاء الكتاب والسنّة في المقام نأتي ببعض الأدلّة العقلية التي تتجاوب وشعور قرّائنا فإنّها دلائل واضحة - على أنّ وراء الجسم، واقعاً آخر باسم الروح - يخضع أمامها كل إنسان واع وإن لم يقرأ كتابا فلسفياً، ولم يقرع باب العلوم العقلية، لأنّ ما يمرّ عليه كلها امور وجدانية يحّس بها كلّ إنسان إذا تجرّد عن رأي مسبق.
أ - الشخصيّة الإنسانيّة المعبّر عنها ب «أنا»:
لم يزل كلّ واحد منّا ينسُب جميعَ أفعاله إلى موجود نعبّر عنه ب «أنا» ويقول: «أنا فعلت» «أنا أكلت» و «أنا ضربتُ» وربما ينسبها إلى الضمائر المتصلة القائمة مكان «أنا» فيقول: «قرأت»، «كتبت»، «أردت» و «أجبت»، فإذن يقع السؤال حول تعيين الموضوع الذي تنسب إليه هذه الأفعال، فما هو إذن؟ هل هو هذا الجسم المادّي، أو شيء آخر وراء ذلك؟ فلو كان الموضوع هو الجسم المادّي منه، لا يكون دليلاً علىٰ وجود جوهر آخر مجرد عن المادة وآثارها، ولو كان الموضوع أمراً غيره، يثبت به موضوع وراء المادة، مقترن بجسمه وحياته المادية.
ثم إنّنا ننسب أعضاءنا إلى شيء آخر وراء الجسم المادّي هذا ونقول: «رأسي» و «قلبي»، «بطني» و «قدمي» فهذه أعضاء رئيسية للجسم الماديّ «الإنسان»، ومع ذلك فإنّنا ننسبها إلى شيء آخر وراء هذا الجسم المادّي.
وربما نتجاوز إلى أكثر من هذا فننسب نفس الجسم بأكمله إلى شيء آخر، فنقول: «بدني»، فإذن ما هذا المضاف إليه في جميع هذه