29
والجواب:
إنّ من غير الممكن أن يتجاوز الإنسان (الأنا) في عزلة من الناس،وهو شرط أساس في الحركة إلى الله تعالى.
إنّ الإنسان قد يتصور إذا اعتزل الناس وابتعد عن الحياة الاجتماعية،يتحرّر من الأنا والهوى،ولكنه يخطئ كثيراً،فإنّ نزعات الأنانية تبقى مطوية في خبايا دهاليز النفس العميقة،وهو غير شاعر بها،فإذا دخل الحياة الاجتماعية،واحتك بالناس وأثاره الناس،برزت هذه النزعات المخبوءة على السطح الظاهر من شخصيته،ولا يمكن اجتثاث هذه النزعات،والقضاء عليها،إلاّ في وسط الحياة الاجتماعية.
إنّ هذه النزعات لايمكن استئصالها إلاّ من خلال صراع مرير مع النفس في وسط الحياة الاجتماعية،ولا شك أنها تختفي في حياة العزلة والرهبانية،وتبقى كامنة ومختفية في النفس،ولكنها عندما تصادف فرصة مناسبة،وجوّاً مناسباً،تبرز مرة واحدة،ولذلك نجد فشل وانتكاسة الكثير من التجارب الرهبانية عند أوّل احتكاك بالحياة الاجتماعية.
إنّ الحقيقة المؤسفة في هذه التجارب التجريدية للنفس:أن النوازع الفردية لم تنته،ولم تمت أثناء التجربة الرهبانية،ولكنها تخمد لعدم وجود الوسط الملائم لبروزها وحركتها،وعند أول احتكاك بواقع الحياة الاجتماعية تعود قوية نشطة.
و لذلك لابدّ من هذا الوسط الاجتماعي،والحياة الاجتماعية،والحضور في وسط المغريات،والمثيرات،والفتن 1،ليستطيع الإنسان أن يتجاوز (الأنا) بصورة كاملة.
و حقيقة أخرى لا تقل أهمية عن الأولى،وهي أنّ حركة الإنسان إلى الله تعالى حركة شاقة،عسيرة،وصعبة،ولا يستطيع الإنسان أن يطوي هذا الطريق