3نعم بعث محمد صلى الله عليه و آله و سلم إلى قوم خير تعبير عنهم قول جعفر بن أبي طالب للنجاشي:أيها الملك كنا أهل جاهلية نعبد الأصنام،و نأكل الميتة،و نأتي الفواحش،و نقطع الأرحام،و نسيء الجوار،و يأكل القوي منا الضعيف.
هذا في الوقت الذي كانت فيه مراكز القوى تلك تتضخم و تتعاظم على حساب ضياع البشرية و موت مبادئها.
و هكذا فقد كانت الدعوة الإسلامية الفتية و صاحبها صلى الله عليه و آله و سلم في مواجهة هذه المراكز بامداداتها الرهيبة و قدراتها العظيمة،و التي شكلت أعنف مواجهة شرسة و قتال ليس له مثيل صبغ أرض الجزيرة و رمالها الصفراء،بلون أحمر قاني لسنوات لم يعرف فيها رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و خيرة أصحابه للراحة طعما و للسكون مسكنا.
إن تلك الحصون المليئة بالشر و الخراب لم تتهاوى إلا بعد جهد جهيد وسيل جارف من الدماء الطاهرة التي لا توزن بها الجبال،من رجال أوقفوا أنفسهم و أرواحهم من أجل هذا الدين و صاحبه صلى الله عليه و آله و سلم.
استطاع رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم أن يقيم حكومة الله تعالى في الأرض و أن يثبت فيها الأركان على أساس الواقع و الوجود،فلم تجد آنذاك كل قوى الشر بدامن الإختباء في زوايا العتمة و الظلام تتحين الفرص السانحة و الظروف الملائمة للانقضاض على هذا البنيان الذي بدا يزداد شموخا و علوا مع تقادم السنين.
و لقد كان رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم يدرك عيانا أن نقطة ضعف هذه الامة يكمن في تفرقها و في تبعثر جهودها مما سيمكن من ظهور منافذ مشرعة في هذا البنيان الكبير لا تتردد أركان الكفر و أعداء الدين المتلونين و المتسترين من النفوذ خلالها و التسلل بين أهلها،و في ذلك الخطر الأكبر.و لذا فإن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم كان يصرح و يحذر من افتراق امته،و يلوح للمفترقين بالنار و الجحيم.
بيد أن ما حذر منه صلى الله عليه و آله و سلم و ما كان يخشاه،بدت أول معالمه الخطرة تتوضح في اللحظات الاولى لرحيله صلى الله عليه و آله و سلم و انتقاله إلى عالم الخلود،و عندها وجد أعداء هذا الدين الفرصة مواتية للولوج إلى داخل هذا البناء و العمل على هدمه بمعاول أهله لا بمعاولهم هم.
فتفرقت هذه الأمة فرقا فرقا و جماعات جماعات،لا تتردد كل واحدة من أن تكفر الاخرى و تكيل لها التهم الباطلة و الافتراءات الظالمة،و انشغل المسلمون عن اعدائهم بقتال اخوانهم و التمثيل بأجسادهم،و حل بالأمة وباء و بيل بدا يستشري في جسدها الغض بهدوء دون أن تنشغل بعلاجه.
نعم بعد هذه السنين المرة من الفرقة و التشتت بدا المسلمون في اخريات المطاف يلعقون جراح خلفتها سيوف إخوانهم لا سيوف أعدائهم في حين ينظر إليهم أعدائهم بتشف و شماتة.إن ما حل بالمسلمين من مصائب و تخلف في كافة المستويات أوقعتهم في براثن المستعمرين أعداء الله و رسله يعود إلى تفرق كلمتهم و تبعثر جهودهم و تمزق وحدتهم،و لعل نظرة عاجلة لما يجري في بقاع المعمورة المختلفة يوضح لنا هذه الصورة المؤلمة و