23
«و منها» قوله عز و جل فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ اَلشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ فإن الظاهر منه أنه متى حصل شهود الشهر يجب الصيام في الغد، بل يمكن الاستظهار منه أنه بعد شهود الشهر يجب صوم تمام الشهر لا خصوص اليوم الغد، و هذا ظاهر في الواجب المعلّق.
و الحاصل: إنه بعد إمكان الواجب المعلّق و وقوعه لا يبقى إشكال في الظهور فيما نحن فيه و في وجوب الغسل لصيام الغد و أمثال ذلك.
و يمكن دفع الإشكال أيضا في الموارد التي نقطع بوجوب المقدمة قبل مجيء زمان الواجب بوجوب تلك المقدمات بالوجوب النفسي، لكن لا من جهة مصلحة في نفسها بل من جهة المصلحة الكامنة في غيرها، فيكون وجوبها للغير لا لنفسها و لا بالغير و لا وجوبها وجوبا مستقلا في قبال وجوب ذي المقدمة، فان المولى أوجب تلك الأمور لحفظ غرضه و استيفاء المصلحة الملزمة في وقتها، لئلا تفوت تلك المصلحة الملزمة.
فكلّما دل الدليل على وجوب المقدمات قبل حضور زمان الواجب و لم يكن الدليل ظاهرا في وجوب الواجب في الحال كما قدمنا فلا بأس بالقول بذلك.
و قد يدفع الإشكال أيضا بحكم العقل بلزوم المقدمات المفوتة، بمعنى أن العقل كما يدرك و يحكم بقبح مخالفة التكاليف الفعلية للمولى و يحكم باستحقاق العبد للعقاب عند مخالفتها، كذلك يحكم العقل بقبح تفويت الملاكات و الأغراض الملزمة للمولى في ظرفها، و يحكم أيضا باستحقاق العبد للعقاب عند تفويتها اختيارا من غير حاجة الى أمر أو نهي من طرف المولى.
مثلا لو اتفق ابتلاء ولد المولى أو من يكون نظيره من أقربائه بحرق أو غرق بدون اطلاع المولى، يحكم عقل العبد بلزوم حفظ الولد عن الحرق و الغرق، و لو تساهل العبد و لم يحفظه عن الهلاك فالعقل يحكم و يدرك قبح ذلك و يدرك استحقاقه للعقاب.
و كذلك لو علم العبد أنه بعد ساعات يعطش المولى عطشا شديدا بحيث لو لم يصل الماء