566
عجز
تحصيلا للواجب عند الإمكان و يجوز التأخير اختيارا عند إطلاق النذر إلى حصول الظن بالفوات مع التأخير لعدم ما يقتضي وجوب الفورية حينئذ و ذكر الشهيد الثاني أنه لا خلاف فيه
و لا تجزئ
الحجة المنذورة
عن حجة الإسلام و بالعكس
بيان هذه المسألة يحتاج إلى تفصيل و هو أن المكلف إذا نذر الحج فلا يخلو إما أن ينوي حجة الإسلام أم غيرها أو يطلق فإن نوى حجة الإسلام فالأصح انعقاد نذره و فائدة النذر زيادة الانبعاث و شدة التأكيد على الفعل و ترتب الكفارة على الترك و حينئذ فوجوب الحج إنما يكون عند تحقق الاستطاعة الشرعية لا مطلقا و لا يجب عليه تحصيل الاستطاعة إلا أن يتعلق النذر بذلك و إن نوى غير حجة الإسلام انعقد و لا يتداخل و لا يخلو إما أن يكون مستطيعا حال النذر أم لا فإن كان مستطيعا حال النذر فإن كانت حجة النذر مطلقة أو مقيدة بزمان متأخر عن سنة الاستطاعة وجب تقديم حجة الإسلام لفوريتها و اتساع زمان الحجة المنذورة و إن كانت حجة النذر مقيدة بسنة الاستطاعة فإن قصدها مع بقاء الاستطاعة فالظاهر عدم الانعقاد و إن قصدها مع زوال الاستطاعة فالظاهر الانعقاد فيجب عند زوال الاستطاعة في تلك السنة و إن خلا عن القصد ففيه وجهان و إن لم يكن مستطيعا حال النذر وجب الإتيان بالحجة المنذورة مع القدرة و الظاهر أنه لا يشترط فيه الاستطاعة الشرعية المعتبرة في حجة الإسلام للشهيد في الدروس فإنه اعتبر في الحجة المنذورة الاستطاعة الشرعية و إن حصلت الاستطاعة الشرعية قبل الإتيان بالحجة المنذورة فإن كان النذر مطلقا أو مقيدا بزمان متأخر عن سنة الاستطاعة أو مقيدا بزمان يشمل السنة المتأخرة عن سنة الاستطاعة وجب تقديم حجة الإسلام لفوريتها و اتساع زمان المنذورة خلافا للشهيد رحمه اللّٰه فإنه حكم بتقديم الحجة المنذورة و إن كانت مطلقة فإن كان النذر مقيّدا بالسنة التي حصلت الاستطاعة فيها ففي تقديم حجة المنذورة أو حجة الإسلام وجهان يلتقيان إلى عدم تحقق الاستطاعة الشرعية لأن المانع الشرعي كالمانع العقلي و إلى حصول الاستطاعة المعتبرة في حجة الإسلام مع عدم النذر و انعقاد النذر فرع الشرعية و الرجحان و هو غير متحقق و إن أطلق النذر و لم ينو حجة الإسلام و لا غيرها فللأصحاب فيه خلاف فمنهم من ذهب إلى عدم التداخل و هو منسوب إلى الأكثر منهم الشيخ في الجمل و الخلاف و ابن إدريس و ابن البراج و عن الشيخ في النهاية أنه إن نوى حج النذر أجزأ عن حجة الإسلام دون العكس و حكي عن الشيخ أيضا القول بالتداخل من غير تفصيل و الأقرب التداخل لحصول امتثال الأمرين بفعل واحد و عدم دليل دال على لزوم التعدد و يدل على إجزاء ما نوى به النذر ما رواه الشيخ عن رفاعة بن موسى في الصحيح قال سألت أبا عبد اللّٰه ع عن رجل نذر أن يمشي إلى بيت اللّٰه الحرام هل يجزيه ذلك عن حجة الإسلام قال نعم قلت أ رأيت إن حج عن غيره و لم يكن له مال و قد نذر أن يحج ماشيا أ يجزي عنه ذلك من مشيه قال نعم و رواه الكليني عن رفاعة في الحسن إلى قوله قلت و رواه الشيخ في موضع آخر عن رفاعة في الصحيح إلى قوله قلت و الظاهر أن المراد بنذر المشي إلى بيت اللّٰه نذر الحج ماشيا و عن محمد بن مسلم في الصحيح قال سألت أبا جعفر ع عن رجل نذر أن يمشي إلى بيت اللّٰه فمشى أ يجزي عن حجة الإسلام قال نعم احتج القائلون بعدم التداخل بإن اختلاف الأسباب يقتضي اختلاف المسببات و هو استدلال ضعيف قد مرت الإشارة إلى ذلك في بعض نظائر هذه المسألة
و لو نذر الحج ماشيا وجب
على المعروف بين الأصحاب حتى قال المحقق في المعتبر إذا نذر الحج ماشيا وجب مع التمكن و عليه اتفاق العلماء و قال المصنف في القواعد لو نذر الحج ماشيا و قلنا المشي أفضل انعقد الوصف و إلا فلا و قال الشيخ فخر الدين في الإيضاح إذا نذر الحج ماشيا انعقد أصل النذر إجماعا و هل يلزم القيد مع القدرة فيه قولان مبنيان على أن المشي أفضل من الركوب أو الركوب أفضل من المشي و اعترض عليه بأن هذا البناء غير سديد لأن المنذور و هو الحج على هذا الوجه راجح و إن كان غيره أرجح منه و ذلك كاف في انعقاد نذره إذ لا يعتبر في المنذور كونه أفضل من جميع ما عداه و بعض عبارات الأصحاب يشعر بتقييد الحكم بما إذا لم يكن المشي موجبا للضعف عن العبادة و الأقرب في المسألة الانعقاد مطلقا لعموم ما يدل على انعقاد نذر العبادات و يؤيده ما رواه الشيخ عن رفاعة بن موسى في الصحيح قال قلت لأبي عبد اللّٰه ع رجل نذر أن يمشي إلى بيت اللّٰه قال فليمش قلت فإنه تعب قال إذا تعب فليركب و أما ما رواه الشيخ عن أبي عبيدة الحذاء في الصحيح قال سألت أبا عبد اللّٰه ع رجل نذر أن يمشي إلى مكة حافيا فقال إن رسول اللّٰه ص خرج حاجا فنظر إلى امرأة تمشي بين الإبل فقال من هذه فقالوا أخت عقبة بن عامر نذرت أن تمشي إلى مكة حافية فقال رسول اللّٰه يا عقبة انطلق إلى أختك فمرها فلتركب فإن اللّٰه غني عن مشيها و حفاها قال فركبت فلا ينافي ما ذكرناه لأن المستفاد منها عدم انعقاد نذر الحج ماشيا مع الحفاء و هو لا يخالف المدعا و أجاب المحقق عن هذه الرواية بأنها حكاية حال فلعل النبي ص علم منها العجز منها و فيه نظر لأن المستفاد من الخبر حيث أورد فيه هذه الرواية الحكاية في جواب المسألة عدم الاختصاص و اختلف الأصحاب في مبدإ المشي فقيل إن المبدأ بلد الناذر و قيل وقت الشروع في أفعال الحج و علل الأول بكون ذلك هو المفهوم منه عرفا و الثاني بأن المشي وقع قيدا للحج و هو عبارة عن الأفعال المخصوصة و التعويل على هذا الباب على نية الناذر أو العرف الشائع في حال النذر و اختلف أيضا في منتهاه فقيل رمي الجمار و قيل طواف النساء و يدل على الأول ما رواه الشيخ عن جميل في الصحيح عن أبي الحسن الرّضا ع قال قال أبو عبد اللّٰه ع إذا حججت ماشيا و رميت الجمرة فقد انقطع المشي و ما رواه الكليني عن إسماعيل بن همام في الصحيح عن أبي الحسن الرّضا ع قال قال أبو عبد اللّٰه ع في الذي عليه المشي في الحج إذا رمي الجمار زار البيت راكبا و ليس عليه شيء و روى الصّدوق هذا الحديث عن إسماعيل بن همام المكي في الصحيح عن أبي الحسن الرّضا ع قال قال أبو عبد اللّٰه ع في المشي إذا رمى الجمرة زار البيت راكبا و عن علي بن أبي حمزة عن أبي عبد اللّٰه ع قال سألته متى ينقطع مشي الماشي قال إذا رمى جمرة العقبة و حلق رأسه فقد انقطع مشيه فليزر راكبا و اعلم أنه ذكر المصنف و غيره أن من نذر الحج ماشيا يقف في السفينة لو اضطر إلى العبور فيها و مستندهم في ذلك ما رواه الشيخ عن السّكوني عن جعفر عن أبيه عن آبائه أن عليّا ع سئل عن رجل نذر أن يمشي إلى البيت فمر في المعبر قال فليقم في المعبر قائما حتى يجوز و الرواية ضعيفة يشكل التعويل عليها و قال المحقق في المعتبر و هل هو على الوجوب فيه وجهان أحدهما نعم لأن المشي يجمع بين القيام و الحركة فإذا فات أحدهما تعين الآخر قال و الأقرب أنه على الاستحباب لأن نذر المشي ينصرف إلى ما يصح المشي فيه فيكون موضع العبور مستثنى بالعادة و ما قربه حسن و إليه ذهب المصنف في التذكرة و لو أمكنه العبور على القنطرة ماشيا فالظاهر أنه مقدم على الوقوف في السفينة و لو أخل بالقيام في موضع وجوبه على القول بذلك فقيل إنه كمن أخل بالمشي فينسحب فيه ما هناك من التفصيل و يحتمل أن يقال وجوبه من باب ورود الأمر به لا لدخوله في المنذور فلا ينافي الإخلال به بصحة الحج
فإن ركب
ناذر الحج ماشيا
متمكنا
من المشي
أعاد
الحج أما إذا كان النذر مطلقا فوجوب الإعادة بناء على وجوب تحصيل الواجب بقدر الإمكان و لا يجب الكفارة حينئذ و أما إذا كان النذر مقيّدا بالزمان الذي أخل فيه المشي فلأن حجه وقع فاسدا و فساد الحج يقتضي وجوب الإعادة و تجب الكفارة حينئذ و هذا الوجه يقتضي الحكم بفساد الحج إذا أخل بالمشي في الحركات التي هي من أجزاء الحج لا مطلقا و ربما يعلل فساد الحج بأنه غير مطابق للمنذور فلا يقع عن النذر لعدم المطابقة و لا عن غيره لانتفاء النية كما هو المقدر و فيه تأمّل و احتمل المحقق في المعتبر الصحة و إجزاءه عن النذر و إن وجبت الكفارة بالإخلال بالمشي قال لأن الإخلال بالمشي ليس مؤثرا في الحج و لا هو من صفاته بحيث يبطل بفواته بل غايته أنه أخل بالمشي المنذور فإن كان مع القدرة وجب عليه كفارة خلف النذر و التأمّل فيه مجال
و
إن ركب
عاجزا
عن المشي
يتوقع المكنة
من المشي حتى يحج ماشيا
مع الإطلاق
بأن لا يكون النذر مقيدا بزمان معين
و مع التقييد يسقط
عنه الحج و إلى هذا القول ذهب ابن إدريس و اختاره المصنف و ذهب جماعة من الأصحاب منهم الشيخ إلى أن العاجز يركب و يسوق بدنة وجوبا و قال المفيد رحمه اللّٰه في المقنعة و إذا جعل الرجل على نفسه المشي إلى بيت اللّٰه فعجز عنه فليركب و لا شيء عليه و المستفاد منه عدم وجوب السياق و هو المنقول عن ابن الجنيد و إليه ذهب المحقق ره و ذهب المصنف في المختلف إلى توقع المكنة مع الإطلاق و إلى الركوب مع التعيين حجة القول الأول أما على توقع المكنة مع الإطلاق فوجوب تحصيل الواجب بقدر الإمكان و أما على السقوط مع التعيين فالعجز المستتبع للسّقوط و عدم وجوب أمر آخر و حجة القول الثاني ما رواه الشيخ عن الحلبي في الصحيح قال قلت لأبي عبد اللّٰه ع رجل نذر أن يمشي إلى بيت اللّٰه و عجز أن يمشي قال فليركب و ليسق بدنة فإن ذلك يجزي عنه إذا عرف اللّٰه منه الجهد و عن ذريح المحاربي في الصحيح