556بالتمتع في الخبر الثالث يحتمل وجهين أحدهما أن يكون الكلام في الحج المندوب و يكون الحكم بالتمتع على سبيل الاستحباب و ثانيهما أن يكون الغالب على حال للسائل إقامة المدينة فيكون فرضه التمتع و لعل في قوله إن أهلي و منزلي بالمدينة و لي بمكة أهل و منزل إشعار بذلك و الشيخ أورد الخبر الثالث في موضع آخر مستقلا معلّقا عن موسى بن القسم قال أخبر في بعض أصحابنا أنه سأل أبا جعفر ع في عشر من شوال فقال إني أريد أن أفرد عمرة هذا الشهر فقال له أنت مرتهن بالحج فقال له الرجل فإن لي ضياعا حول مكّة و أحتاج إلى الخروج إليها فقال يخرج حلالا و يرجع حلالا إلى الحج و المفهوم من هذا المتن كون السؤال عن إفراد العمرة في أشهر الحج للحاجة إلى الخروج قبل وقت الحج فأجاب ع بالمنع من إفراد العمرة حينئذ و الإذن في الخروج بعد عمرة التمتع بغير إحرام ثم يرجع إلى الحج و المنع من إفراد العمرة في الصورة المذكورة ينافي غير واحد من الأخبار و يمكن تأويله بالمنع من الإفراد بعد الدخول بنية التمتع و المفهوم من ذلك المتن إنما هو السؤال عن إفراد العمرة في شوال فلما لم يؤذن له ذكر احتياجه إلى الخروج من مكة و قال إنه يؤخر الأمر إلى إبان الحج فيأتي بهما معا في ذلك الوقت حذرا عن محذور الامتناع من الخروج مع الحاجة إليه بتقدير تقديم العمرة و كأنه وقع في ذلك المتن إسقاط أوجب اختلاف المعنى و كان الخبر مرسلا و ما يعطيه الإيراد الأول من عدم الإرسال من باب المساهلة في التعبير فتدبر و مما يدل على رجحان التمتع للمكي الخارج عن بلده في غير الواجب ما رواه الكليني عن موسى بن القاسم البجلي في الصحيح قال قلت لأبي جعفر ع يا سيدي إني أرجو أن أصوم بالمدينة شهر رمضان فقال تصوم بها إن شاء اللّٰه قلت و أرجو أن يكون خروجنا من عشر شوال فقد عود اللّٰه زيارة رسول اللّٰه ص و زيارتك و ربما حججت عن أبيك و ربما حججت عن أبي و ربما حججت عن الرجل من إخواني و ربما حججت عن نفسي فكيف أصنع فقال تمتع فقلت إني مقيم بمكّة منذ عشر سنين قال تمتع و لا يخفى أن مقتضى الخبر الأول و الأخير رجحان الإهلال بالحج فلو حملا على المندوب يحصل التنافي بين الأخبار و الحمل على الواجب طريق للجمع فيستقيم الاحتجاج بهما على القول المشهور و يحتمل الحمل على التقية أيضا و كأن أسلوب التعبير في الرواية لا يخلو عن نوع إيماء إليه و المسألة لا يخلو عن إشكال و يدل على قول ابن أبي عقيل الآية و الروايات الدالة على أن الإفراد و القران فرض المكي و التأمل في أدلة الطرفين يقتضي ترجيح القول الثاني
و ينتقل فرض المقيم بمكة ثلاث سنين إلى فرض المكي
المشهور بين الأصحاب أن من أقام بمكة سنتين و دخل في الثالثة فقد استوطنها و انتقل فرضه إلى فرض أهلها و قال الشيخ في النهاية لا ينتقل حتى يقيم ثلاثا و قال في التهذيب فإن كان قد أقام دون السنتين فإنه يجوز له أن يتمتع و إن أقام أكثر من ذلك فحكمه حكم أهل مكة و يظهر من الدروس نوع تردد في المسألة فإنه قال و لو أقام النائي بمكة سنتين انتقل فرضه إليها في الثالثة كما في المبسوط و النهاية و يظهر من أكثر الروايات أنه في الثانية و روى محمد بن مسلم من أقام سنة فهو بمنزلة أهل مكّة و روى حفص بن البختري أن من أقام أكثر من ستة أشهر لم يتمتع انتهى و الرّوايات في هذا الباب مختلفة فروى الشيخ عن زرارة في الصحيح عن أبي جعفر ع قال من أقام بمكة سنتين فهو من أهل مكّة لا متعة له فقلت لأبي جعفر ع أ رأيت إن كان له أهل بالعراق و أهل بمكّة قال فلينظر أيّهما الغالب عليه فهو من أهله و رواه عن زرارة أيضا بإسناد غير نقي و عن عمر بن يزيد قال قال أبو عبد اللّٰه ع المجاور بمكة يتمتع بالعمرة إلى الحج إلى سنتين فإذا جاوز سنتين كان قاطنا و ليس له أن يتمتع و هذا الحديث يظن صحّته نظرا إلى الظاهر و التحقيق يقتضي كونه معللا لأن في إسناده موسى بن القاسم عن محمد بن عذافر و روايته عن محمد في الأكثر إنما يكون بالواسطة و هذا الاحتمال مع تكثر وقوع النقصان في إيراد الشيخ يرفع التعويل على صحة الخبر و روى الشيخ عن الحلبي في الصحيح قال سألت أبا عبد اللّٰه ع لأهل مكة أن يتمتعوا فقال لا ليس لأهل مكة أن يتمتعوا قال قلت فالقاطنين بها قال إذا أقاموا سنة أو سنتين صنعوا كما يصنع أهل مكّة فإذا أقاموا شهرا فإن لهم أن يتمتعوا قلت من أين قال يخرجون من الحرم قلت من أين يهلون بالحج فقال من مكّة نحوا مما يقول الناس و روى الكليني عن داود بن حماد عنه ع قريبا منه و الجمع بين هذه الأخبار متعين بإقامة السنتين و روى الشيخ عن محمد بن مسلم عن أحدهما قال من أقام بمكّة سنة فهو بمنزلة أهل مكة و روى الكليني عن عبد اللّٰه بن سنان في القوي عن أبي عبد اللّٰه ع قال سمعته يقول المجاور بمكّة سنة يعمل عمل أهل مكة يعني يفرد الحج مع أهل مكة و ما كان دون السنة فله أن يتمتع و عن حفص و هو ابن البختري في الصحيح عن أبي عبد اللّٰه ع في المجاور بمكّة يخرج إلى أهله ثم يرجع إلى مكّة بأي شيء يدخل فقال إن كانت مقامه بمكّة أكثر من ستة أشهر فلا يتمتع و إن كان أقل من ستة أشهر فله أن يتمتع و هذا يدل على مرجوحية التمتع بعد الإقامة ستة أشهر و هو لا ينافي التخيير المستفاد من الخبر السابق و كذا ما رواه الشيخ عن عبد اللّٰه بن المغيرة في الصحيح عن الحسين بن عثمان و غيره عمن ذكره عن أبي عبد اللّٰه ع قال من أقام بمكة خمسة أشهر فليس له أن يتمتع و إطلاق النصوص و الفتاوى يقتضي عدم الفرق في الانتقال المذكور بين كون الإقامة بنية الدّوام أو المفارقة و ربما خص الحكم بالمجاور بقرينة الدوام أما لو كان بنية الدوام انتقل فرضه من أول زمان نيته و هو غير مرتبط بدليل و ذكر الشهيد الثاني و غيره أن انتقال الفرض إنما يتحقق إذا تجددت الاستطاعة بعد الإقامة المقتضية للانتقال فلو كانت سابقة لم ينتقل الفرض و إن طالت المدة لاستقرار الأول و في إثبات ذلك بحسب الدليل إشكال و لو انعكس الفرض بأن أقام المكي في الآفاق لم ينتقل فرضه إلا مع صدق خروجه عن حاضري مكة عرفا و احتمل بعضهم انتقال الفرض بإقامة سنتين و هو ضعيف
و دونها
أي ثلاث سنين
يتمتع فيخرج إلى الميقات إن تمكن و إلا
أي و إن لم يتمكن من الخروج إلى الميقات
فخارج الحرم و لو تعذر أحرم من موضعه
هذه الأحكام مقطوع بها في كلام الأصحاب أما الخروج إلى الميقات فاستدل عليه بأن فرضه لم ينتقل فكان عليه الإحرام من الميقات لوجوب ذلك على المتمتع و يؤيده ما رواه الشيخ و الكليني عن سماعة عن أبي الحسن ع قال سألته عن المجاور أ له أن يتمتع بالعمرة إلى الحج قال نعم يخرج إلى سهل أرضه فليبت إن شاء اللّٰه و استدل على الحكمين الأخيرين بأن خارج الحرم ميقات مع الضرورة و الإحرام من مكة سائغ مع الضرورة أيضا كما يدل عليه رواية الحلبي عن أبي عبد اللّٰه ع قال قلت رجل ترك الإحرام حتى دخل مكة قال يرجع إلى ميقات أهل بلاده الذين يحرمون منه فيحرم و إن خشي أن يفوته الحج فليحرم من مكانه فإن استطاع أن يخرج من الحرم فليخرج و هل المعتبر الخروج إلى ميقات أهله عند الإمكان أو إلى الميقات مطلقا الظاهر الثاني لعدم تعيين الحج عليه من طريق كما هو ظاهر كلام المصنف و به قطع في الدروس و ظاهر المنتهى و المعتبر الأول و يؤيد ما ذكرناه ما رواه الشيخ و الكليني عن حريز في الحسن عمن أخبره عن أبي جعفر ع قال من دخل مكة بحجة عن غيره ثم أقام سنة فهو مكي فإذا أراد أن يحج عن نفسه أو أراد أن يعتمر بعد ما انصرف عن عرفة فليس له أن يحرم بمكة و لكن يخرج إلى الوقت و كلما حول رجع إلى الوقت و احتمل بعض المتأخرين الاكتفاء بالخروج إلى أدنى الحل مطلقا لصحيحة الحلبي السابقة في المسألة المتقدمة و ما رواه الشيخ معلقا عن عمر بن يزيد عن أبي عبد اللّٰه ع قال من أراد أن يخرج من مكة ليعتمر أحرم من الجعرانة و الحديبية و ما أشبههما و هو حسن و يدل عليه أيضا ما رواه الكليني عن صفوان في الصحيح عن أبي الفضل قال كنت مجاورا بمكة فسألت أبا عبد اللّٰه ع من أين أحرم بالحج فقال من حيث أحرم رسول اللّٰه ص من الجعرانة أتاه في ذلك المكان فتوح فتح الطائف و فتح خيبر و الفتح فقلت متى أخرج قال إن كنت صرورة فإذا مضى من ذي الحجة يوم و إن كنت قد حججت قبل ذلك فإذا مضى من الشهر خمس و عن سماعة في القوي عن أبي عبد اللّٰه ع قال قال المجاور بمكة إذا دخلها بعمرة في غير أشهر الحج في رجب أو شعبان أو شهر رمضان أو غير ذلك من الشهور إلا أشهر الحج فإن أشهر الحج شوال و ذو القعدة و ذو الحجة من دخلها بعمرة في غير أشهر الحج ثم أراد أن يحرم فليخرج إلى الجعرانة فيحرم منها ثم يأتي مكة و لا يقطع التلبية حتى ينظر إلى البيت ثم يطوف البيت و يصلي الركعتين عند مقام إبراهيم ع ثم يخرج إلى الصفا و المروة فيطوف بينهما ثم يقصر و يحل ثم يعقد التلبية يوم التروية
و لا يجوز الجمع بين الحج و العمرة بنية واحدة
لعل المراد أن يحرم و ينوي به الحج و العمرة معا و فيه تنبيه على رد قول ابن أبي عقيل حيث جوز ذلك و جعله تفسير القران و قال إن من هذا شأنه لا يحل من عمرته حتى يحل من حجه إذا طاف طواف الزيارة و قال الشيخ في الخلاف و لا يجوز القران بين حجة و عمرة في إحرام واحد فلا يدخل أفعال العمرة قط في أفعال الحج و احتج عليه بإجماع الفرقة و في المعتبر بعد نقل كلام الشيخ و خلاف ابن أبي عقيل و إيراد رواية الحلبي السابقة في تفسير القران و ما رواه الشيخ بتأويل بعيد ليس بمعتمد و دعواه الإجماع بعيد مع وجود الخلاف من الأصحاب و في الأخبار المنسوبة إلى فضلاء أهل البيت ع
و لا
يجوز
إدخال أحدهما
أي الحج و العمرة
على الآخر
بأن ينوي الإحرام بالحج قبل التحلل من العمرة أو بالعمرة قبل الفراغ من أداء مناسك