548الصحيح قال سألت أبا الحسن ع عن الحرم و أعلامه فقال إن آدم ع لما هبط على أبي قبيس شكا إلى ربّه الوحشة و أنه لا يسمع ما كان يسمع في الجنة فأنزل اللّٰه عليه ياقوتة حمراء فوضعها في موضع البيت فكان يطوف به آدم فكان يبلغ ضوئها مواضع الأعلام فعلمت الأعلام على ضوئها فجعله اللّٰه حرما و روى الكليني عن زرارة بإسنادين أحدهما حسن بإبراهيم قال كنت قاعدا إلى جنب أبي جعفر و هو مستقبل القبلة فقال أما إن النظر إليها عبادة فجاءه رجل من بجيلة يقال له عاصم بن عمر فقال لأبي جعفر ع إن كعب الأحبار كان يقول إن الكعبة تسجد لبيت المقدس في كل غداة فقال أبو جعفر ع فما تقول فيما قال كعب فقال صدق ما قال كعب فقال له أبو جعفر ع كذبت و كذب كعب الأحبار معك و غضب قال زرارة ما رأيته استقبل أحدا يقول كذبت غيره ثم قال ما خلق اللّٰه عز و جل بقعة في الأرض أحب إليه منها ثم أومى بيده نحو الكعبة و لا أكرم على اللّٰه عز و جلّ منها لها حرم اللّٰه الأشهر الحرم في كتابه يوم خلق السماوات و الأرض ثلاثة متوالية للحج شوال و ذو القعدة و ذو الحجة و شهر مفرد للعمرة و هو رجب و عن معاوية بن عمار بإسنادين فيهما حسن بإبراهيم عن أبي عبد اللّٰه قال إن للّه تبارك و تعالى حول الكعبة عشرين و مائة رحمة منها ستون للطائفين و أربعون للمصلّين و عشرون للناظرين و عن ابن سنان في الحسن بإبراهيم قال سألت أبا عبد اللّٰه ع عن قول اللّٰه عز و جل إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنّٰاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبٰارَكاً وَ هُدىً لِلْعٰالَمِينَ فِيهِ آيٰاتٌ بَيِّنٰاتٌ ما هذه الآيات البينات قال مقام إبراهيم حيث قام على الحجر فأثرت فيه قدماه و الحجر الأسود و منزل إسماعيل ع و روى ابن بابويه عن حريز عن أبي عبد اللّٰه ع قال وجد في حجر إني أنا اللّٰه ذو بكة صنعتها يوم خلقت السّماوات و الأرض و يوم خلقت الشمس و القمر و حففتها بسبعة أملاك حفيفا مبارك لأهلها في الماء و اللّبن يأتيها رزقها من ثلاثة سبل من أعلاها و أسفلها و الثنية و عن إسماعيل بن همام في الصحيح عن الرّضا ع أنه قال لرجل أي شيء السّكينة عندكم فلم يدر القوم ما قالوا جعلنا اللّٰه فداك ما هي قال ريح يخرج من الجنة طيبة لها صورة كصورة وجه الإنسان تكون مع الأنبياء ع و هي التي نزلت على إبراهيم حين بنى الكعبة فأخذت تأخذ كذا و كذا و بنى الأساس عليها و روى الكليني عن معاوية بن عمار في الحسن بإبراهيم عن أبي عبد اللّٰه ع قال لما أفاض آدم من منى فلفته الملائكة فقالوا يا آدم بر حجك أما إننا قد حججنا هذا البيت قبل أن يحجه بألفي عام و عن سعيد بن عبد اللّٰه الأعرج في الصحيح عن أبي عبد اللّٰه ع قال إن قريشا في الجاهلية هدموا البيت فلما أرادوا بناءه حيل بينهم و بينه و ألقي في روعهم الرعب حتى قال قائل منهم ليأت كل رجل منهم بأطيب ماله و لا تأتوا بمال اكتسبتموه من قطيعة رحم أو من حرام فخلي بينهم و بين بنائه فبنوه حتى انتهوا إلى موضع الحجر الأسود فتشاجروا فيه أيهم يضع الحجر الأسود في موضعه حتى كاد أن يكون بينهم شر فحكموا أول من يدخل في باب المسجد فدخل رسول اللّٰه ص فلما أتاهم أمر بثوب فبسط ثم وضع الحجر في وسطه ثم أخذت القبائل بجوانب الثوب فرفعوه ثم تناوله ص فوضعه في موضعه فخصه اللّٰه به و نقل ابن بابويه هذه الرواية في الموثق ثم قال و روي أن الحجاج لما فرغ من بناء الكعبة سأل علي بن الحسين أن يضع الحجر في موضعه فأخذه و وضعه في موضعه و روى ابن بابويه عن سعيد الأعرج في الموثق عن أبي عبد اللّٰه ع قال إنما سمي البيت العتيق لأنه أعتق من الغرق و أعتق الحرم معه كف عنه الماء و روى الكليني عن أبان بن عثمان في الحسن بإبراهيم عمن أخبره عن أبي جعفر ع قال قلت له لم سمي البيت العتيق قال هو بيت حر عتيق من الناس لم يملكه أحد و روى ابن بابويه عن الفضيل عن أبي جعفر ع قال إنما سميت ببكة لأنه يبتك بها الرجال و النساء و المرأة تصلي بين يديك و عن يمينك و عن شمالك و معك و لا بأس بذلك و إنما يكره في سائر البلدان و عن حريز بن عبد اللّٰه في الصحيح عن أبي عبد اللّٰه ع قال كان الحجر الأسود أشدّ بياضا من اللبن فلو لا ما مسه من أرجاس الجاهلية ما مسّه ذو عاهة إلا برأ و عن عبد اللّٰه بن سنان في الصحيح أنه سأل أبا عبد اللّٰه ع عن قول اللّٰه عز و جل وَ مَنْ دَخَلَهُ كٰانَ آمِناً فقال من دخل الحرم مستجيرا به فهو أمن من سخط اللّٰه عز و جل و ما دخل من الطير و الوحش كان آمنا من أن يهاج أو يؤذى حتى يخرج من الحرم و روى الكليني عن عيسى بن يونس قال كان ابن أبي العوجاء من تلامذة الحسن البصري فانحرف عن التوحيد فقيل له تركت مذهب صاحبك و دخلت فيما لا أصل له و لا حقيقة فقال إن صاحبي كان مخلطا كان يقول طورا بالقدر و طورا بالجبر و ما اعتقد مذهبا دام عليه و قدم مكة متمردا و إنكارا على من يحج فكان يكره العلماء مجالسته و مسائلته لخبث لسانه و فساد ضميره فأتى أبا عبد اللّٰه ع فجلس إليه في جماعة من نظرائه فقال يا أبا عبد اللّٰه إن المجالس أمانات و لا بد لكل من به سؤال أن يسأل أ فتأذن لي في الكلام فقال تكلم فقال إلى كم تدوسون هذا البيدر و تلوذون بهذا الحجر و تعبدون هذا البيت المرفوع بالصوب و المدر و تهرولون حوله هرولة البعير إذا نفر إن من فكر في هذا و قدر علم أن هذا فعل أسسه غير حكيم و لا ذي نظر فقل فإنك رأس هذا الأمر و سنامه و أبوك أسّه و تمامه فقال أبو عبد اللّٰه ع إن من أضله اللّٰه و أعمى قلبه استوخم الحق فلم يستعدّ به فصار الشيطان وليه و قرينه و ربه يورده مناهل الهلكة ثم لا يصدره و هذا بيت استعبد اللّٰه به خلقه ليختبر طاعتهم في إتيانه فحثهم على تعظيمه و زيارته و جعله محل أنبيائه و قبلة للمصلّين إليه فهو شعبة من رضوانه و طريق يؤدي إلى غفرانه منصوب على استواء الكمال و مجمع العظمة و الجلال خلقه اللّٰه قبل دحو الأرض بألفي عام فأحق من أطيع فيما أمر و انتهى عما نهى عنه و زجر اللّٰه المنشئ للأرواح و الصور و روى الكليني عن أمير المؤمنين ع مرسلا أنه قال في خطبة له و لو أراد اللّٰه جل ثناؤه بأنبيائه حيث بعثهم أن يفتح كنوز الذهبان و معادن العقيان و مغارس الجنان و أن يحشر طير السماء و وحش الأرض معهم لفعل و لو فعل لسقط البلاء و بطل الجزاء و اضمحل الابتلاء و لما وجب للقائلين أجور المبتلين و لا لحق المؤمنين ثواب المحسنين و لا لزمت السماء أهاليها على معنى مبين و كذلك لو أنزل اللّٰه من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين و لو فعل لسقط البلوى عن الناس أجمعين و لكن اللّٰه جل ثناؤه جعل رسله أولي قوة في عزائم نياتهم و ضعفة فيما ترى الأعين من حالاتهم من قناعة يملأ القلوب و العيون غناء و خصاصة يملأ الأسماع و الأبصار إنارة و لو كانت الأنبياء أهل قوة لا ترام و غرّة لا تضام و ملك يمد نحوه أعناق الرّجال و يستدل إليه عقد الرحال لكان أهون على الخلق في الاختبار و أبعد لهم من الاستكبار و لأمنوا عن رهبة قاهرة لهم أو رغبة مائلة بهم فكانت النيّات مشتركة و الحسنات مقسّمة و لكن اللّٰه أراد أن يكون الاتباع لرسله و التصديق بكتبه و الخشوع لوجهه و الاستكانة لأمره و الاستسلام إليه أمورا له خاصة لا يشوبها من غيرها شائبة و كل ما كانت البلوى و الاختبار أعظم كانت المثوبة و الجزاء أجزل أ لا ترون أن اللّٰه جل ثناؤه اختبر الأولين من لدن آدم إلى آخرين من هذا العالم بأحجار لا تضر و لا تنفع و لا تبصر و لا تسمع فجعلها بيته الحرام الذي جعله للناس قياما ثم جعله بأوعر بقاع الأرض حجرا و أقل نتائق الدنيا مدرا و أضيق بطون الأودية معاشا و أغلظ محال المسلمين مياها بين جبال خشنة و رمال دمنة و عيون وشلة و قرى منقطعة و أثر من مواضع قطر السماء و أثر ليس يركبه خف و لا طف و لا حافر ثم أمر آدم و ولده أن يثنّوا أعطافهم نحوه فصار مثابة لمنتجع أسفارهم و غاية لملقى رحالهم تهوي إليه ثمار الأفئدة من مفاوز قفار متصلة و جزائر بحار منقطعة و مهاوي فجاج عتيقه حتى يهزوا مناكبهم ذللا للّه حوله و يرملون على أقدامهم شعثا غبرا له قد نبذوا القنع و السرابيل وراء ظهورهم و حسروا بالشعور حلقا عن رءوسهم ابتلاء عظيما و اختبارا كثيرا و امتحانا شديدا و تمحيصا بليغا و قنوتا مبينا جعله اللّٰه سببا لرحمته و وصلة و وسيلة إلى جنته و علة لمغفرته و ابتلاء للخلق برحمته و لو كان اللّٰه تبارك و تعالى وضع بيته الحرام و مشاعره العظام بين جنات و أنهار و سهل و قرار جم الأشجار داني الثّمار متصل القرى من برّة سمراء و روضة خضراء و أرياف محدقة و عراص مغدقة و زروع ناضرة و طرق عامرة و حدائق كثيرة لكان قد صغر الجزاء على حسب ضعف البلاء ملتف البنات لو كانت الأساس المحمول عليها أو الأحجار المرفوع بها بين زمرة خضراء و ياقوتة حمراء و نور و ضياء لخفف ذلك مصارعة الشك في الصّدور و لوضع مجاهدة إبليس عن القلوب و لنفى معتلج الريب من الناس و لكن اللّٰه عز و جل يختبر عبيده بأنواع الشدائد و يتعبدهم بألوان المجاهد و يبتليهم بضروب المكاره إخراجا للتكبر من قلوبهم و إسكانا للتذلل في أنفسهم و ليجعل ذلك أبوابا إلى فضله و أسبابا ذللا لعفوه و فتنة