218مسائله في أربعين عاما» إلا أنه يلوح من الخبر المزبور عدم اعتبار استقصاء مسائله، بل هو غير مقدور، و لكن لا بد من معرفة فروض المناسك.
و على كل حال فللحج أسرار و فوائد لا يمكن إحصاؤها و إن خفيت على الملحدين كابن أبي العوجاء و أشباهه، لأن من أضله الله و أعمى قلبه استوخم الحق فلم يستعذبه، و صار الشيطان وليه و ربه، يورده مناهل الهلكة ثم لا يصدره إذ من الواضح أن الله تعالى سن الحج و وضعه على عباده إظهارا لجلالة و كبريائه و علو شأنه و عظم سلطانه، و إعلانا لرق الناس و عبوديتهم و ذلهم و استكانتهم، و قد عاملهم في ذلك معاملة السلاطين لرعاياهم، و الملاك لمماليكهم، يستذلونهم بالوقوف على باب بعد باب، و اللبث في حجاب بعد حجاب، لا يؤذن لهم بالدخول حتى تقبل هداياهم، و لا تقبل منهم الهدايا حتى يطول حجابهم، و ان الله تعالى قد شرف البيت الحرام و أضافه إلى نفسه، و اصطفاه لقدسه، و جعله قياما للعباد و مقصدا يؤم من جميع البلاد، و جعل ما حوله حرما، و جعل الحرم أمنا، و جعل فيه ميدانا و مجالا، و جعل له في الحل شبها و مثالا فوضعه على مثال حضرة الملوك و السلاطين، ثم أذن في الناس بالحج ليأتوه رجالا و ركبانا من كل فج، و أمرهم بالإحرام و تغيير الهيئة و اللباس شعثا غبرا متواضعين مستكينين رافعين أصواتهم بالتلبية و إجابة الدعوة، حتى إذا أتوه كذلك حجبهم عن الدخول، و أوقفهم في حجبه يدعونه و يتضرعون اليه حتى إذا طال تضرعهم و استكانتهم و رجموا شياطينهم بجمارهم و خلعوا طاعة الشيطان من رقابهم أذن لهم بتقريب قربانهم و قضاء تفثهم ليطهروا من الذنوب التي كانت هي الحجاب بينهم و بينه، و ليزوروا البيت على طهارة منهم، ثم يعيدهم فيه بما يظهر معه كمال الرق و كنه العبودية، فجعلهم تارة يطوفون بيته و يتعلقون بأستاره، و يلوذون بأركانه، و أخرى يسعون بين يديه مشيا و عدوا ليتبين لهم عز الربوبية و ذل العبودية، .