217و الافتخار و الأبهة و الاعتبار، بل هو مما يتوصل به إلى التجارة و الانتشار و مشاهدة البلدان و الأمصار، و الاطلاع على أحوال الأماكن و الديار، فيخشى عليه من تطرق هذه الدواعي الفاسدة المبطلة للعمل في بعض الأحوال، و لا خلاص من ذلك إلا بالإخلاص، و لا إخلاص إلا بالخلوص من شوائب العجب و الرياء، و التجرد عن حب المدح و الثناء، و تطهير العبادات الدينية عن التلويث بالمقاصد الدنيوية، و لا يكون ذلك إلا بإخراج حب الدنيا من القلب، و قصر حبه على حب الله تعالى، و يكون ذلك هو الداعي إلى العمل، و هو ملاك الأمر و مدار الفضل، و الطريق العلمي إليه واضح مكشوف، و لكن عند العمل تسكب العبرات و تكثر العثرات، و لاستدامة الفكر في أحوال الدنيا و مآلها و مزاولة علم الأخلاق الذي هو طب النفس و علاجها نفع بين في ذلك و تأثير ظاهر، و الله الموفق.
كما انه ينبغي التفقه في الحج، فإنه كثير الأجزاء جم المطالب وافر المقاصد و هو مع ذلك غير مأنوس و غير متكرر، و أكثر الناس يأتونه على ضجر و ملالة سفر، و ضيق وقت و اشتغال قلب، مع ان الناس لا يحسنون العبادات المتكررة اليومية مثل الطهارة و الصلاة مع الفهم لها و مداومتهم عليها و كثرة العارفين بها، حتى ان الرجل منهم يمضي عليه الخمسون سنة و أكثر و لا يحسن الوضوء فضلا عن الصلاة، فكيف بالحج الذي هو عبادة غريبة غير مألوفة، لا عهد للمكلف بها مع كثرة مسائلها و تشعب أحكامها و أطولها ذيلا، و خصوصا مع انضمام الطهارة و الصلاة إليها، لشرطية الأولى و جزئية الثانية، فإن الخطب بذلك يعظم، قال زرارة 1: «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : جعلني الله فداك أسألك في الحج منذ أربعين عاما فتفتيني؟ فقال: يا زرارة بيت يحج قبل آدم بألفي عام تريد أن تفتي