24المسلمين وإدارة شؤون مجتمعهم من عبادات ومعاملات وجهاد وجنايات وغيرها، وبيان قواعدها، لأنّ مصادر التشريع في عصره صلّى الله عليه وآله وسلّم أصبحت منحصرة باثنين لا ثالث لهما : كتاب الله، وسنة نبيّه.
واستمرّ التشريع على هذه الحال حتى كمل الدين بنزول الآية الشريفة : اَلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَ رَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلاٰمَ دِيناً 1، فتمّت رسالة سيد المرسلين، ولم يترك حادثة صغيرة ولا كبيرة في عصره إلّا وبيَّن حكمها بنصوصه أو آثاره، أو في كلّيات اصوله، واستمرت هذه الفترة عشر سنوات تقريباً.
أمّا الوقائع التي استجدت فيما بعد رحلة الرسول الأكرم ، فقد تُركت لمعرفة أعلام الدين بقواعده واُصوله، في مُحكمِ الآيات ومُتشابهها، وبهذا صار الدين الإسلامي يتماشى مع سائر العصور، وصالحاً للبقاء في كلّ زمان ومكان.
مرحلة عصر الصحابة
وبعد أن لحق النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم بالرفيق الأعلى، وامتدت رقعة البلاد الإسلامية شرقاً وغرباً، ومات أو قُتل الكثير من الصحابة جرّاء الحروب والصراعات التي واكبت تلك الفتوحات، وانتقال العديد منهم إلى البلاد المفتوحة، ولم يتيسّر لهم من يُسعفهم ببيان الحكم الشرعي فيما يُسألون عنه من الحوادث الواقعة، حاول بعض الصحابة ومن ادعى الفقه أن يحكم بما يفهمه من ظاهر القرآن الكريم، فإن لم يجد في كتاب الله ولا في سنّة نبيه شيء عمل برأيه واجتهد.
فأخذوا يحكمون ويقضون ويُفتون على وفق ما يفهمون من كتاب الله وسنة رسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم، وكانت حُرّية هذا الاجتهاد كفيلة بالتقنين والتشريع لكلّ معاملاتهم وحاجاتهم.
قال ابن القيم : ( ولقد اضطّر الصحابة بفعل انقطاع الوحي، وغياب النبي صلّى