23
اتّجاه التشريع في عصر البعثة النبوية
يمكن الحديث عن المذاهب الإسلامية و تداعيات نشأتها من خلال دراستنا لاتجاه التشريع ومصادره، حيث بدأ في عصر البعثة النبوية بنزول الوحي على سيد الأنبياء والمرسلين محمد بن عبد الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، ومن ثمّ مرحلة الدعوة والتبليغ في مكة المكرمة والمدينة المنورة حتى انتهت بارتحاله الى جوار ربه، واستمرت فترة تلك الدعوة والتبليغ اثنتين وعشرين عاماً وعدّة شهور.
وغير خفي على أحدٍ حال العرب قبل بزوغ فجر الإسلام ، حيث كانت وثنيّةُ العبادة ، وفوضى في النظام الاجتماعي، فكان ولا بُدّ للدين الإسلامي الجديد من إصلاح العقيدة أولاً ، فإذا ما تحقّق له ذلك، قام بإصلاح شؤون ونظام المجتمع.
لذا كان التشريع في مكة المكرّمة قبل الهجرة متجهاً نحو دعوة الناس إلى التوحيد، ومكافحة الإلحاد والشرك بالله تعالى، فشُرّعت الصلاة والزكاة، والصوم والحجّ ، وكثر الاهتمام في تركيز العقيدة الإسلامية، وإصلاح المفاسد الاجتماعية، وذلك بِحَثّ الناس على ترك العادات السيّئة، وتطهير القلوب من الرذائل، والتحلّي بمكارم الأخلاق. واستمرّ التشريع على هذا النحو ثلاث عشرة سنة تقريباً، وهي المُدّة التي أقامَها الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم في مكة المكرمة قبل أن يؤمر بالهجرة إلى المدينة المنوّرة.
أمّا اتجاه التشريع في المدينة المنورة ، فبعد أن عانى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم الكثير من المصاعب والمحن وأذى المشركين حتى رسّخ العقيدة في نفوس الكثيرين من الناس، أمر الله تعالى رسوله بالهجرة إلى المدينة، وبهذا التحوّل والانتقال مسّت الحاجة إلى بيان الأحكام العملية، سواء ما يتعلّق بحياة الفرد أم الجماعة، أم ما يتعلّق بعلاقة المسلمين بانفسهم وبغيرهم من الشعوب والأمم الأخرى.
فتركّز اتجاه التشريع على سنّ الأحكام الشرعية التي لا غنىً عنها بتنظيم حياة